وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ وقل الحق ﴾ الآية،
المعنى وقل لهم يا محمد هذا ﴿ الحق من ربكم ﴾ أي هذا القرآن، أو هذا الإعراض عنكم، وترك الطاعة لكم، وصبر النفس مع المؤمنين، وقرأ قعنب وأبو السمال " وقلَ " بفتح اللام قال أبو حاتم وذلك رديء في العربية، وقوله ﴿ فمن شاء فليؤمن ﴾ الآية توعد وتهديد، أي فليختر كل امرىء لنفسه ما يجده غداً عند الله عز وجل، وتأولت فرقة ﴿ فمن شاء ﴾ الله إيمانه ﴿ فليؤمن ومن شاء ﴾ الله كفره ﴿ فليكفر ﴾، وهو متوجه، أي فحقه الإيمان وحقه الكفر، ثم عبر عن ذلك بلفظ الأمر إلزماً وتحريضاً، ومن حيث للإنسان في ذلك التكسب الذي به يتعلق ثواب الإيمان وعقاب الكفر، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي " فلِيؤمن " " ولِيكفر " بكسر اللامين ﴿ وأعتدنا ﴾ مأخوذ من العتاد وهو الشيء المعد الحاضر و" السرادق " وهو الجدار المحيط كالحجرة التي تدور وتحيط الفسطاط، وقد تكون من نوع الفسطاط أديماً أو ثوباً أو نحوه، ومنه قول رؤبة :[ الرجز ]
يا حكم بن المنذر بن الجارود... سرادق والمجد عليك ممدود
ومنه قول سلامة بن جندل :[ الطويل ]
هو المولج النعمان بيتا سماؤه... صدور الفيول بعد بيت مسردق
وقال الزجاج " السرادق " كل ما أحاط بشيء.
قال القاضي أبو محمد : وهو عندي أخص مما قال الزجاج، واختلف في " سرادق " النار فقال ابن عباس ﴿ سرادقها ﴾ حائط من نار وقالت فرقة ﴿ سرادقها ﴾ دخان يحيط بالكفار، وقوله تعالى :﴿ انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ﴾ [ المرسلات : ٣٠ ] وقالت فرقة الإحاطة هي في الدنيا، والسرادق البحر، وروي هذا المعنى عن النبي ﷺ من طريق يعلى بن أمية، فيجيء قوله تعالى :﴿ أحاط بهم ﴾ أي بالبشر ذكر الطبري الحديث عن يعلى قال، قال رسول الله ﷺ " البحر هي جهنم " وتلا هذه الآية : ثم قال " والله لا أدخله أبداً أو ما دمت حياً "


الصفحة التالية
Icon