فرجعوا ولم ينزل عليه جبريل إلى ثلاثة أيام وفي رواية الكلبي إلى خمسة عشر يوماً، وفي رواية الضحاك إلى أربعين يوماً فجعلت قريش تقول : يزعم محمد أنه يخبرنا غداً بما سألناه، وقد مضى كذا وكذا يوماً ؛ فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أتاه جبريل، فقال لجبريل : لقد علمت ما سألني عنه قومي، فلم أبطأت علي؟ فقال : أنا عبد مثلك ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾ [ مريم : ٦٤ ] ؛ وقال :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّى لاًّقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا ﴾ [ الكهف : ٢٣/٢٤ ].
وكان المشركون يقولون : إن ربه قد ودعه وأبغضه، فنزل :﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى ﴾ [ الضحى : ٣ ] ونزل :﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم ﴾ ﴿ كَانُواْ مِنْ ءاياتنا عَجَبًا ﴾.
فلما قرأ عليهم، قالوا : هذان ساحران، يعني : محمداً وموسى عليهما السلام ولم يصدقوه.
وقوله :﴿ عَجَبًا ﴾ يقول هم عجب، وأمرهم أعجب، وغيرهم مما خلقت أعجب منهم، الشمس والقمر والجبال والسموات والأرض أعجب منهم.
ثم بيَّن أمرهم، فقال تعالى :﴿ إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف ﴾، أي صاروا إِليه وجعلوه مأواهم.
والفتية جمع فتى، غلام وغلمة، وصبي وصبية.
﴿ فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ﴾، أي ثبتنا على الإسلام.
﴿ وَهَيّىء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾، أي هب لنا من أمرنا مخرجاً.
﴿ فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ ﴾، أي أنمناهم وألقينا عليهم النوم ؛ وقال الزجاج :﴿ فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ ﴾ ؛ أي منعناهم أن يسمعوا، لأن النائم إذا سمع انتبه.