فلما قالوا له ذلك غضب غضباً شديداً، ثمّ أرسل إلى آبائهم فسألهم عنهم، فقال : أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوني. فقالوا له : أمّا نحن فلم نعصك، فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا بأموالنا وأهلكوها في أسواق المدينة ثمّ انطلقوا فارتقوا إلى جبل يدعى ينجلوس؟ فلما قالوا له ذلك خلّى سبيلهم، وجعل لا يدري ما يصنع بالفتية، فألقى الله عز وجّل في نفسه أن يأمر بالكهف فيُسد عليهم، أراد الله عز وجل أن يكرمهم ويجعلهم آية لأُمّة يَستخلف من بعدهم، وأن يبين لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور.
فأمر دقيانوس بالكهف أن يسد عليهم، وقال : دعوهم كما هم في الكهف يموتوا عطشاً وجوعاً، وليكن كهفهم الذي اختاروا قبراً لهم. وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم، قد توفى الله أرواحهم وفاة النوم وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد، بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم، يتقلّبون ذات اليمين وذات الشمال.
ثمّ إن رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهما، اسم أحدهما بيدروس، واسم الآخر روتاس ائتمرا أن يكتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوح من رصاص يجعلانه في تابوت من نحاس، ثمّ يجعلان التابوت في البنيان، وقالا : لعل الله يظهر على هؤلاء الفتية قوماً مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عليهم خبرهم حين يقرأ هذا الكتاب. ففعلا، ثمّ بنيا عليه، فبقي دقيانوس ما بقي، ثمّ مات وقومه وقرون بعد كثيرة، وخلفت الملوك بعد الملوك.


الصفحة التالية
Icon