فكره أن يدخلها فأتى حمّاماً قريباً من تلك المدينة، فكان فيه، وكان يؤاجر نفسه من الحمامي ويعمل فيه.
ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة، ودرّ عليه الرزق، وجعل يقوم عليه، وعلقه فتية من أهل المدينة، فجعل يخبرهم خبر السماء وخبر الأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدّقوه، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة. وكان شرطه على صاحب الحمام : إن الليل لي لا يحول بيني وبين الصلاة أحد، وكان على ذلك حتى أتى ابن الملك بامراة فدخل بها الحمام، فعيّره الحواري وقال له : أنت ابن الملك وتدخل مع هذه؟ فاستحيا، فذهب، فرجع مرّة أُخرى فقال له مثل ذلك، فسبّه وانتهره ولم يلتفت حتى دخلا معاً فماتا جميعاً في الحمام، فأُتي الملك فقيل له : قتل صاحب الحمام ابنك. فالتُمس فلم يُقدر عليه، فهرب، فقال : من كان يصحبه؟ فسمّوا الفتية فالتُمسوا فخرجوا من المدينة، فمرّوا بصاحب لهم في زرع وهو على مثل إيمانهم فذكروا له أنهم التُمسوا، فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا وقالوا : نبيت هاهنا الليلة، ثمّ نصبح إن شاء الله فترون رأيكم. فضرب الله على آذانهم.
فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، وكلّما أراد الرجل منهم دخوله أُرعب، فلم يطق أحد دخوله، وقال قائل : أليس لو قدرت عليهم قتلتهم؟ قال : بلى. قال : فابنِ عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتوا عطشاً وجوعاً. ففعل.
قال وهب : تركهم بعد ما سدّ عليهم باب الكهف زماناً بعد زمان، ثمّ إنّ راعياً أدركه المطر عند الكهف فقال : لو فتحت هذا الكهف فادخلته غنمي من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتح، وردّ الله إليهم أرواحهم من الغد حين أصبحوا.