هذا الذي حدّث به تمليخا أصحابه حين تبين له حالهم. ثمّ إنّه أفاق فقال : والله لو عجّلت الخروج منها قبل أن يفطن بي لكان أكيس بي. فدنا من الذين يبيعون الطعام فأخرج الورق التي كانت معه فأعطاها رجلاً منهم، فقال : يا عبد الله، بعني بهذا الورق طعاماً. فأخذها الرجل فنظر إلى ضرب الورق ونقشها، فعجب منها ثمّ طرحها إلى رجل من أصحابه، فنظر إليها. ثمّ جعلوا يتطارحونها من رجل إلى رجل، ويعجبون منها، ثمّ جعلوا يتسارّون من أجله، ففرق فرقاً شديداً وجعل يرتعد ويظن أنهم فطنوا به وعرفوه، وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقيانوس، وجعل أُناس آخرون يأتونه فيتعرّفونه، فقال لهم وهو شديد الفرق : أفصلوا عليّ، قد أخذتم ورقي فأمسكوا، وأما طعامكم فلا حاجة لي به.
فقالوا : من أنت يا فتى؟ وما شأنك؟ والله لقد وجدت كنزاً من كنوز الأوّلين، وأنت تريد أن تخفيه عنا، انطلق معنا فأرناه وشاركنا فيه نُخفِ عليك ما وجدت ؛ فإنك إن لم تفعل نأتِ بك السّلطان فنسلمك إليه فيقتلك.
فلما سمع قولهم عجب في نفسه، وقال : قد وقعت في كل شيء أحذر منه، ثمّ قالوا : يا فتى، إنك والله ما تستطيع أن تكتم ما حدث، ولا تظن في نفسك أنك سنُخفي عليك.