فذلك قوله عزّ وجلّ ﴿ إِذْ أَوَى ﴾ أي صار وانضم ﴿ الفتية إِلَى الكهف ﴾، وهو غار في جبل ينجلوس، واسم الكهف خيرم، ﴿ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ﴾ أي يسّر لنا ما نلتمس من رضاك. وقال ابن عباس :﴿ رَشَداً ﴾ أي مخرجاً من الغار في سلامة. وقيل : صواباً.
قوله :﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ هذا من فصيحات القرآن التي أقرّت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله، ومعناه : أنمناهم وألقينا وسلّطنا عليهم النوم، كما يقال : ضرب الله فلانَ بالفالج، أي ابتلاه به وأرسله عليه. وقيل : معناه حجبناهم عن السمّع، وسددنا نفوذ الصوت إلى مسامعهم، وهذا وصف الأموات والنيام. وقال قطرب : هو كقول العرب : ضرب الأمير علي يد الرعية، إذا منعهم عن العبث والفساد، وضرب السّيد على يدي عبده المأذون في التجارة، إذا منعه عن التصرّف فيها. قال الأسود بن يعفر، وكان ضريراً :

ومن الحوادث لا أبا لك أنني ضربت عليّ الأرض بالأسداد
﴿ سِنِينَ عَدَداً ﴾ أي معدودة، وهو نعت للسنين، فالعدّ المصدر، والعدد الاسم المعدود، كالنقص والنقض والخبط والحبط. وقال أبو عبيدة : هو نصب على المصدر.
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ ﴾، يعني من نومهم ؛ ﴿ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً ﴾، وذلك حين تنازع المسلمون الأوّلون أصحاب الملك، والمسلمون الآخرون الذين أسلموا حين أوى أصحاب الكهف في قدر مدّة لبثهم في الكهف، فقال المسلمون الأولون : مكثوا في كهفهم ثلاثمئة سنة وتسع سنين، وقال المسلمون الآخرون : بل مكثوا كذا وكذا. فقال الأوّلون : الله أعلم بما لبثوا، فذلك قوله :﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ ﴾، لتعلموا ﴿ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ : الفريقين ﴿ أحصى ﴾ : أصوب وأحفظ ﴿ لِمَا لَبِثُواْ ﴾ في كهفهم نياماً، ﴿ أَمَداً ﴾ : غاية.


الصفحة التالية
Icon