قال الفراء : معناه لا تصرف عيناك عنهم، وقال الزجاج : لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة، واستعماله بعن لتضمنه معنى النبوّ، من عدوته عن الأمر، أي : صرفته منه، وقيل : معناه : لا تحتقرهم عيناك ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا ﴾ أي : مجالسة أهل الشرف والغنى، والجملة في محل نصب على الحال، أي : حال كونك مريداً لذلك، هذا إذا كان فاعل تريد هو النبيّ ﷺ، وإن كان الفاعل ضميراً يعود إلى العينين، فالتقدير : مريدة زينة الحياة الدنيا، وإسناد الإرادة إلى العينين مجاز، وتوحيد الضمير للتلازم كقول الشاعر :
لمن زحلوقة زل... بها العينان تنهلّ
﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ أي : جعلناه غافلاً بالختم عليه، نهي رسول الله ﷺ عن طاعة من جعل الله قلبه غافلاً عن ذكره كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحي الفقراء عن مجلسه، فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله، ومع هذا فهم ممن اتبع هواه وآثره على الحق فاختار الشرك على التوحيد ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ أي : متجاوزاً عن حدّ الاعتدال، من قولهم : فرس فرط : إذا كان متقدماً للخيل فهو على هذا من الإفراط.
وقيل هو : من التفريط، وهو التقصير والتضييع.
قال الزجاج : ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه.
ثم بيّن سبحانه لنبيه ﷺ ما يقوله لأولئك الغافلين، فقال :﴿ وَقُلِ الحق مِن رَّبّكُمْ ﴾ أي قل لهم : إن ما أوحي إليك وأمرت بتلاوته هو الحق الكائن من جهة الله، لا من جهة غيره حتى يمكن فيه التبديل والتغيير، وقيل : المراد بالحق الصبر مع الفقراء.