وقوله في هذه الآية الكريمة، ﴿ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ ظاهر في أن سبب فسقه عن أمر ربه كونه من الجن. وقد تقرر في الأصول في " مسلك النص " وفي " مسلك الإيماء والتنبيه " : أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل، كقولهم : سرق فققطعت يده، أي لأجل سرقته. وسها فسجد، أي لأجل سهوه، ومن هذا القبيل قوله تعالى :﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ] اي لعلة سرقتهما. وكذلك قوله هنا ﴿ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ ﴾ اي لعله كينونته من الجن، لأن هذا الوصف فرق بينه وبين الملائكة، لأنهم امتثلوا الأمر وعصا هو.
ولأجل ظاهر هذه الآية الكريمة ذهبت جماعة من العلماء إلى أن إبليس ليس من الملائكة في الأصل بل من الجن، وا، ه كان يتعبد معهم، فأطلق عليهم اسمهم لأنه تبع لهم، كالحليف في القبيلة يطلق عليه اسمها. والخلاف في إبليس هل هو ملك في الأصل وقد مسخه الله شيطاناً، أو ليس في الأصل بملك، وإنما شمله لفظ الملائكة لدخوله فيهم وتعبده معهم - مشهور عند أهل العلم. وحجة من قال : إن أصله ليس من الملائكة أمران : أحدهما - عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس. كما قال تعالى عنهم :﴿ لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [ التحريم : ٦ ]، وقال تعالى :﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٧ ]. والثاني- : أن الله صرح في هذه الآية الكريمة بأنه من الجن، والجن غير الملائكة. قالوا : وهو نص قرآني في محل النزاع. واحتج من قال : إنه ملك في الأصل بما تكرر في الآيات القرآنيه من قوله :﴿ فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾


الصفحة التالية
Icon