قالت المشبهة قوله تعالى :﴿وَجَاء رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً﴾ [ الفجر : ٢٢ ] يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان وتعرض عليه أهل القيامة صفاً، وكذلك قوله تعالى :﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا﴾ يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان، وأجيب عنه بأنه تعالى جعل وقوفهم في الموضع الذي يسألهم فيه عن أعمالهم ويحاسبهم عليها عرضاً عليه، لا على أنه تعالى يحضر في مكان وعرضوا عليه ليراهم بعد أن لم يكن يراهم، ثم قال تعالى :﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ وليس المراد حصول المساواة من كل الوجوه، لأنهم خلقوا صغاراً ولا عقل لهم ولا تكليف عليهم بل المراد أنه قال للمشركين المنكرين للبعث المفتخرين في الدنيا على فقراء المؤمنين بالأموال والأنصار :﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ عراة حفاة بغير أموال ولا أعوان ونظيره قوله تعالى :﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا * فرادى كَمَا خلقناكم أول مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم وَرَاء ظُهُورِكُمْ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ] وقال تعالى :﴿أَفَرَأَيْتَ الذى كَفَرَ بآياتنا وَقَالَ لأَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً﴾ [ مريم : ٧٧ ] - إلى قوله - ﴿وَيَأْتِينَا فَرْداً﴾ [ مريم : ٨٠ ] ثم قال تعالى :﴿بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا﴾ أي كنتم مع التعزز على المؤمنين بالأموال والأنصار تنكرون البعث والقيامة فالآن قد تركتم الأموال والأنصار في الدنيا وشاهدتم أن البعث والقيامة حق، ثم قال تعالى :﴿وَوُضِعَ الكتاب﴾ والمراد أنه يوضع في هذا اليوم كتاب كل إنسان في يده إما في اليمين أو في الشمال، والمراد الجنس وهو صحف الأعمال :﴿فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ أي خائفين مما في الكتاب من أعمالهم الخبيثة وخائفين من ظهور ذلك لأهل الموقف فيفتضحون، وبالجملة يحصل لهم خوف العقاب من الحق وخوف الفضيحة عند الخلق ويقولون يا ويلتنا ينادون


الصفحة التالية
Icon