وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾
تقدم في "البقرة" هذا مستوفًى.
قال أبو جعفر النحاس : وفي هذه الآية سؤال، يقال : ما معنى "فَفَسَق عَنْ أَمْرِ رَبِّه" ففي هذا قولان : أحدهما وهو مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى أتاه الفسق لما أُمِر فعَصَى، فكان سببَ الفسق أمْرُ ربه ؛ كما تقول : أطعمته عن جوع.
والقول الآخر وهو مذهب محمد بن قُطْرب أن المعنى : ففسق عن ردّ أمر ربه.
﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي ﴾ وقّف عز وجل الكفرة على جهة التوبيخ بقوله : أفتتخذونه يا بني آدم وذرّيّته أولياء وهم لكم عدوّ ؛ أي أعداء، فهو اسم جنس.
﴿ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾ أي بئس عبادة الشيطان بدلاً عن عبادة الله.
أو بئس إبليس بدلاً عن الله.
واختلف هل لإبليس ذرية من صلبه ؛ فقال الشعبيّ : سألني رجل فقال هل لإبليس زوجة؟ فقلت : إن ذلك عُرْس لم أشهده، ثم ذكرت قوله ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ ﴾ فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة فقلت نعم.
وقال مجاهد : إن إبليس أدخل فرجه في فرج نفسه فباض خمس بيضات ؛ فهذا أصل ذريته.
وقيل : إن الله تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكراً وفي اليسرى فرجاً ؛ فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطاناً وشيطانة، فهو يَخْرج وهو يطير، وأعظمهم عند أبيهم منزلة أعظمهم في بني آدم فتنة.
وقال قوم : ليس له أولاد ولا ذرية، وذرّيته أعوانه من الشياطين.
قال القشيري أبو نصر : والجملة أن الله تعالى أخبر أن لإبليس أتباعاً وذرّية، وأنهم يوسوسون إلى بني آدم وهم أعداؤهم، ولا يثبت عندنا كيفية في كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس، فيتوقّف الأمر فيه على نقل صحيح.