والمعنى : أنهم يُشبهون خلق من كانوا قبلهم من أهل الضلال ويقلدونهم، كما قال تعالى :﴿ أتواصوا به بل هم قوم طاغون ﴾ [ الذاريات : ٥٣ ].
وسنة الأولين : طريقتهم في الكفر.
وإضافة ( سنة ) إليهم تشبه إضافة المصدر إلى فاعله، أي السنة التي سَنّها الأولون.
وإسناد مَنْعهم من الإيمان إلى إتيان سنة الأولين استعارة.
والمعنى : ما منع الناس أن يؤمنوا إلا الذي منع الأولين قبلهم من عادة العناد والطغيان وطريقتهم في تكذيب الرسل والاستخفاف بهم.
وذكر الاستغفار هنا بعد ذكر الإيمان تلقين إياهم بأن يبادروا بالإقلاع عن الكفر وأن يتوبوا إلى الله من تكذيب النبي ومكابرته.
و( أو ) هي التي بمعنى ( إلى )، وانتصاب فعل يأتيهم العذاب } ( بأن ) مضمرة بعد ( أو ).
و( أو ) متصلة المعنى بفعل ﴿ منع ﴾، أي منعهم تقليدُ سنة الأولين من الإيمان إلى أن يأتيهم العذاب كما أتى الأولين.
هذا ما بدا لي في تفسير هذه الآية وأراه أليق بموقع هاته الآية من التي قبلها.
فأما جميع المفسرين فقد تأولوا الآية على خلاف هذا على كلمة واحدة فجعلوا المراد بالناس عينَ المراد بهم في قوله :﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ﴾ [ الكهف : ٥٤ ]، أي ما منع المشركين من الإيمان بالله ورسوله.
وجعلوا المراد بالهدى عين المراد بالقرآن، وحملوا سنة الأولين على معنى سنة الله في الأولين، أي الأمم المكذبين الماضين، أي فإضافة ﴿ سنة ﴾ إلى ﴿ الأولين ﴾ مِثل إضافة المصدر إلى مفعوله، وهي عادة الله فيهم، أي يعذبهم عذاب الاستيصال.
وجعلوا إسناد المنع من الإيمان إلى إتيان سنة الأولين، بتقدير مضاف، أي انتظار أن تأتيهم سنة الله في الأولين، أي ويكون الكلام تهكماً وتعريضاً بالتهديد بحلول العذاب بالمشركين، أي لا يؤمنون إلا عند نزول عذاب الاستيصال، أي على معنى قوله تعالى :﴿ فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا ﴾ [ يونس : ١٠٢ ].


الصفحة التالية
Icon