وجعلوا قوله : أو يأتيهم العذاب قبلاً } قسيماً لقوله :﴿ إلا أن تأتيهم سنة الأولين ﴾، فحرف ( أو ) للتقسيم، وفعل ﴿ يأتيهم ﴾ منصوب بالعطف على فعل ﴿ أن تأتيهم سنة الأولين ﴾ بالاستيصال المفاجىء أو يأتيهم العذاب مواجهاً لهم.
وجعلوا ﴿ قِبلاً ﴾ حالاً من ﴿ العذاب ﴾، أي مقابلاً.
قال الكلبي : وهو عذاب السيف يوم بدر.
ولعله يريد أنه عذاب مقابلةٍ وجهاً لوجه، أي عذاب الجلاد بالسيوف.
ومعناه : أن المُشركين منهم من ذاق عذاب السيف في غزوات المسلمين، ومنهم من مات فهو يرى عذاب الآخرة.
وعلى هذا التفسير الذي سلكوه ينسلخ من الآية معنى التذييل، وتُقصر على معنى التهديد.
والإتيان : مجاز في الحصول في المستقبل، لوجود ( أن ) المصدرية التي تخلص المضارع للاستقبال، وهو استقبال نسبي فلكل أمة استقبال سنة من قبلها.
والسنة : العادة المألوفة في حال من الأحوال.
وإسناد منعهم الإيمان إلى إتيان سنة الأولين أو إتيان العذاب إسناد مجاز عقلي.
والمراد : ما منعهم إلا سبب إتيان سنة الأولين لهم أو إتيان العذاب.
وسبب ذلك هو التكبر والمكابرة والتمسك بالضلال، أي أنه لا يوجد مانع يمنعهم الإيمان يخولهم المعذرة به ولكنهم جروا على سنن من قبلهم من الضلال.
وهذا كناية عن انتفاء إيمانهم إلى أن يحل بهم أحد العذابين.
وفي هذه الكناية تهديد وإنذار وتحذير وحث على المبادرة بالاستغفار من الكفر.
وهو في معنى قوله تعالى :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾ [ يونس : ٩٦ ٩٧ ].
وقِبَلاً } حال من العذاب.
وهو بكسر القاف وفتح الباء في قراءة الجمهور بمعنى المقابل الظاهر.
وقرأ حمزة، وعاصم، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف ﴿ قبلاً ﴾ بضمتين وهو جمع قبيل، أي يأتيهم العذاب أنواعاً. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١٥ صـ ﴾