فيكون المعنى : وترى الأرض بارزاً ما في جوفها ﴿ وحشرناهم ﴾ أي : الخلائق، ومعنى الحشر الجمع أي : جمعناهم إلى الموقف من كل مكان ﴿ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ فلم نترك منهم أحداً، يقال : غادره وأغدره إذا تركه، قال عنترة :
غادرته متعفراً أوصاله... والقوم بين مجرّح ومجندل
أي : تركته، ومنه الغدر، لأن الغادر ترك الوفاء للمغدور، قالوا : وإنما سمي الغدير غديراً، لأن الماء ذهب وتركه، ومنه غدائر المرأة لأنها تجعلها خلفها ﴿ وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا ﴾ انتصاب ﴿ صفاً ﴾ على الحال أي : مصفوفين كل أمة وزمرة صف، وقيل : عرضوا صفاً واحداً كما في قوله :﴿ ثُمَّ ائتوا صَفّاً ﴾ [ طه : ٦٤ ] أي جميعاً، وقيل : قياماً.
وفي الآية تشبيه حالهم بحال الجيش الذي يعرض على السلطان ﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ هو على إضمار القول، أي : قلنا لهم لقد جئتمونا، والكاف في ﴿ كما خلقناكم ﴾ نعت مصدر محذوف، أي : مجيئاً كائناً كمجيئكم عند أن خلقناكم أوّل مرّة، أو كائنين كما خلقناكم أوّل مرّة، أي : حفاة عراة غرلاً، كما ورد ذلك في الحديث.
قال الزجاج أي : بعثناكم وأعدناكم كما خلقناكم، لأن قوله ﴿ لقد جئتمونا ﴾ معناه : بعثناكم ﴿ بَلْ زَعَمْتُمْ أن لَنْ نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا ﴾ هذا إضراب وانتقال من كلام إلى كلام للتقريع والتوبيخ، وهو خطاب لمنكري البعث، أي : زعمتم في الدنيا أن لن تبعثوا، وأن لن نجعل لكم موعداً نجازيكم بأعمالكم وننجز ما وعدناكم به من البعث والعذاب.
وجملة :﴿ وَوُضِعَ الكتاب ﴾ معطوفة على ﴿ عرضوا ﴾، والمراد بالكتاب : صحائف الأعمال، وأفرده لكون التعريف فيه للجنس، والوضع إما حسي بأن يوضع صحيفة كل واحد في يده : السعيد في يمينه، والشقيّ في شماله، أو في الميزان.