وإما عقلي، أي : أظهر عمل كل واحد من خير وشرّ بالحساب الكائن في ذلك اليوم ﴿ فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ﴾ أي : خائفين وجلين مما في الكتاب الموضوع لما يتعقب ذلك من الافتضاح في ذلك الجمع، والمجازاة بالعذاب الأليم ﴿ وَيَقُولُونَ ياويلتنا ﴾ يدعون على أنفسهم بالويل لوقوعهم في الهلاك، ومعنى هذا النداء قد تقدّم تحقيقه في المائدة ﴿ مَّالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ﴾ أي : أي شيء له لا يترك معصية صغيرة ولا معصية كبيرة إلا حواها وضبطها وأثبتها ﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ ﴾ في الدنيا من المعاصي الموجبة للعقوبة، أو وجدوا جزاء ما عملوا ﴿ حَاضِرًا ﴾ مكتوباً مثبتاً ﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ أي : لا يعاقب أحداً من عباده بغير ذنب، ولا ينقص فاعل الطاعة من أجره الذي يستحقه.
ثم إنه سبحانه عاد إلى الردّ على أرباب الخيلاء من قريش، فذكر قصة آدم واستكبار إبليس عليه فقال :﴿ وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ ﴾ أي : واذكر وقت قولنا لهم اسجدوا سجود تحية وتكريم، كما مرّ تحقيقه ﴿ فجسدوا ﴾ طاعة لأمر الله وامتثالاً لطلبه السجود ﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ فإنه أبى واستكبر ولم يسجد، وجملة ﴿ كَانَ مِنَ الجن ﴾ مستأنفة لبيان سبب عصيانه وأنه كان من الجنّ ولم يكن من الملائكة فلهذا عصى.
ومعنى ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ ﴾ : أنه خرج عن طاعة ربه.
قال الفراء : العرب تقول : فسقت الرطبة عن قشرها لخروجها منه.
قال النحاس : اختلف في معنى ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ ﴾ على قولين : الأوّل مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى : أتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب الفسق أمر ربه، كما تقول : أطعمه عن جوع.
والقول الآخر قول قطرب : أن المعنى على حذف المضاف أي : فسق عن ترك أمره.