ثم عاد سبحانه إلى ترهيبهم بأحوال القيامة فقال :﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ ﴾ قرأ حمزة ويحيى بن وثاب وعيسى بن عمر " نقول " بالنون، وقرأ الباقون بالياء التحتية أي : اذكر يوم يقول الله عزّ وجلّ للكفار توبيخاً لهم وتقريعاً : نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم، وأضافهم سبحانه إلى نفسه جرياً على ما يعتقده المشركون، تعالى الله عن ذلك ﴿ فَدَعَوْهُمْ ﴾ أي : فعلوا ما أمرهم الله به من دعاء الشركاء ﴿ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ ﴾ إذ ذاك، أي : لم يقع منهم مجرد الاستجابة لهم، فضلاً عن أن ينفعوهم أو يدفعوا عنهم ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً ﴾ أي : جعلنا بين هؤلاء المشركين وبين من جعلوهم شركاء لله موبقاً، ذكر جماعة من المفسرين أنه اسم وادٍ عميق فرق الله به تعالى بينهم، وعلى هذا فهو اسم مكان.
قال ابن الأعرابي : كل حاجز بين شيئين فهو موبق.
وقال الفراء : الموبق : المهلك.
والمعنى : جعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكاً لهم في الآخرة، يقال : وبق يوبق فهو وبق.
هكذا ذكره الفراء في المصادر.
وحكى الكسائي : وبق يبق وبوقاً فهو وابق، والمراد بالمهلك على هذا : هو عذاب النار يشتركون فيه.
والأوّل أولى، لأن من جملة من زعموا أنهم شركاء لله الملائكة وعزير والمسيح، فالموبق : هو المكان الحائل بينهم.
وقال أبو عبيدة : الموبق هنا : الموعد للهلاك، وقد ثبت في اللغة أوبقه بمعنى : أهلكه، ومنه قول زهير :
ومن يشتري حسن الثناء بماله... يصن عرضه عن كل شنعاء موبق
ولكن المناسب لمعنى الآية : هو المعنى الأوّل.
﴿ وَرَأَى المجرمون النار فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا ﴾ :﴿ المجرمون ﴾ موضوع موضع الضمير للإشارة إلى زيادة الذمّ لهم بهذا الوصف المسجل عليهم به، والظن هنا بمعنى اليقين.


الصفحة التالية
Icon