ولما كان المقام صعباً جداً لأنه بالنسبة إلى أوامر الله تعالى، بينه على وجه أبلغ من نفي الأخص، وهو الصبر البليغ، بالتعجيب من مطلق الصبر معتذراً عن موسى في الإنكار، وعن نفسه في الفعل، بأن ذلك بالنسبة إلى الظاهر والباطن، فقال عاطفاً على ما تقديره : فكيف تتبعني الاتباع البليغ :﴿وكيف تصبر﴾ يا موسى ﴿على ما لم تحط به خبراً﴾ أي من جهة العلم به ظاهراً وباطناً، فأشار بالإحاطة إلى أنه كان يجوز أن يكون على صواب، ولكن تجويزاً لا يسقط عنه وجوب الأمر، ويجوز أن يكون هذا تعليلاً لما قبله، فيكون الصبر الثاني هو الأول، والمعنى أنك لا تستطيع الصبر الذي أريده لأنك لا تعرف فعلي على ما هو عليه فتراه فاسداً ﴿قال﴾ أي موسى عليه السلام، آتياً بنهاية التواضع لمن هو أعلم منه، إرشاداً لما ينبغي في طلب العلم رجاء تسهيل الله له والنفع به :﴿ستجدني﴾ فأكد الوعد بالسين ؛ ثم أخبر عنه سبحانه أنه قوى تأكيده بالتبرك بذكر الله تعالى لعلمه بصعوبة الأمر على الوجه الذي تقدم الحث عليه في هذه السورة في قوله تعالى ﴿ولا تقولن لشيء إني فاعل﴾ الآية ليعلم أنه منهاج الأنبياء وسبيل الرسل، فقال تعالى :﴿إن شاء الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿صابراً﴾ على ما يجوز الصبر عليه ؛ ثم زاد التأكيد بقوله عطفاً بالواو على " صابراً " لبيان التمكن في كل من الوصفين :﴿ولا أعصي﴾ أي وغير عاص ﴿لك أمراً﴾ تأمرني به غير مخالف لظاهر أمر الله ﴿قال﴾ أي الخضر عليه السلام :﴿فإن اتبعتني﴾ يا موسى اتباعاً بليغاً ﴿فلا تسألني عن شيء﴾ أقوله أو أفعله ﴿حتى أحدث لك﴾ خاصة ﴿منه ذكراً﴾ يبين لك وجه صوابه، فإني لا أقدم على شيء إلا وهو صواب جائز في نفس الأمر وإن كان ظاهره غير ذلك. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٤٩٠ ـ ٤٩٢﴾