وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فانطلقا حتى إِذَا رَكِبَا فِي السفينة خَرَقَهَا ﴾
فيه مسألتان :
الأولى : في صحيح مسلم والبخاري : فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرّت سفينة فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نَوْل، فلما ركبا في السفينة لم يَفْجأ ( موسى ) إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقَدُوم، فقال له موسى : قوم حملونا بغير نَوْل عَمَدْتَ إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً ﴾ قال ؛ وقال رسول الله ﷺ :" وكانت الأولى من موسى نِسياناً " قال : وجاء عصفور فوقع على حَرْف السفينة فَنقَر نَقْرة في البحر، فقال له الخضر : ما عِلمي وعِلمك من علم الله إلا مثل ما نَقَص هذا العصفورُ من هذا البحر.
قال علماؤنا : حَرْف السفينة طرفها وحَرْف كل شيء طرفه، ( ومنه حرْف الجبل ) وهو أعلاه المحدّد.
والعِلم هنا بمعنى المعلوم، كما قال :﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] أي من معلوماته، وهذا من الخضر تمثيل ؛ أي معلوماتي ومعلوماتك لا أثر لها في علم الله، كما أن ما أخذ هذا العصفور من هذا البحر لا أثر له بالنسبة إلى ماء البحر، وإنما مثّل له ذلك بالبحر لأنه أكثر ما يشاهده مما بين أيدينا، وإطلاق لفظ النقص هنا تجوّز قصد به التمثيل والتفهيم، إذ لا نقص في علم الله، ولا نهاية لمعلوماته.
وقد أوضح هذا المعنى البخاري فقال : والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر.
وفي "التفسير" عن أبي العالية : لم ير الخضر حين خرق السفينة غيرُ موسى وكان عبداً لا تراه إلا عين من أراد الله له أن يريه، ولو رآه القوم لمنعوه من خرق السفينة.


الصفحة التالية
Icon