فيما قال، موف بحسب ما عنده، أما موسى عليه السلام فلأنه ما خطر له قط أن يعاهد على أن لا ينهى عما يعتقده منكراً، وأما الخضر فإنه عقد على ما في نفس الأمر لأنه لا يقدم على منكر، ومع ذلك فما نفي إلا الصبر البليغ الذي دل عليه بزيادة تاء الاستفعال، وقد حصل ما يطلق عليه صبر.
لأنه لما ذكره كف عنه لما تذكر بثناء الله عليه أنه لا يفعل باطلاً، ولم يحصل الصبر البليغ الذي في نفس الخضر بالكسوت في أول الأمر وآخره ﴿فانطلقا﴾ بعد نزولهما من السفينة وسلامتها من الغرق والغصب ﴿حتى إذا لقيا غلاماً﴾ لم يبلغ الحلم وهو في غاية القوة ﴿فقتله﴾ حين لقيه - كما دلت عليه الفاء العاطفة على الشرط.
ثم أجاب الشرط بقوله مشعراً بأن شروعه في الإنكار في هذه أسرع :﴿قال﴾ أي موسى عليه السلام :﴿أقتلت﴾ يا خضر ﴿نفساً زكية﴾ بكونها على الفطرة الأولى من غير أن تدنس بخطيئة توجب القتل ﴿بغير نفس﴾ قتلتها ليكون قتلك لها قوداً ؛ وهذا يدل على أنه كان بالغاً حتى إذا قتل قتيلاً أمكن قتله به إلا أن يكون شرعهم لا يشترط البلوغ ؛ ثم استأنف قوله :﴿لقد جئت﴾ في قتلك إياها ﴿شيئاً﴾ وصرح بالإنكار في قوله :﴿نكراً﴾ لأنه مباشرة.
والخرق تسبب لا يلزم منه الغرق. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٤٩٢ ـ ٤٩٣﴾