فصل
قال الفخر :
﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (٧١) ﴾
اعلم أن موسى وذلك العالم لما تشارطا على الشرط المذكور وسارا فانتهيا إلى موضع احتاجا فيه إلى ركوب السفينة فركباها وأقدم ذلك العالم على خرق السفينة، وأقول لعله أقدم على خرق جدار السفينة لتصير السفينة بسبب ذلك الخرق معيبة ظاهرة العيب فلا يتسارع الغرق إلى أهلها فعند ذلك قال موسى له :﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ وفيه بحثان :
البحث الأول : قرأ حمزة والكسائي :﴿ليغرق أَهْلِهَا﴾ بفتح الياء على إسناد الغرق إلى الأهل والباقون لتغرق أهلها على الخطاب، والتقدير : لتغرق أنت أهل هذه السفينة.
البحث الثاني : أن موسى عليه السلام لما شاهد ذلك الأمر المنكر بحسب الظاهر نسي الشرط المتقدم فلهذا المعنى قال ما قال، واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجهين.
الأول : أنه ثبت بالدليل أن ذلك العالم كان من الأنبياء، ثم قال موسى عليه السلام :﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ فإن صدق موسى في هذا القول دل ذلك على صدور الذنب العظيم عن ذلك النبي، وإن كذب دل على صدور الكذب عن موسى عليه السلام.
الثاني : أنه التزم أن لا يعترض على ذلك العالم.
وجرت العهود المؤكدة لذلك، ثم إنه خالف تلك العهود وذلك ذنب.
والجواب عن الأول : أنه لما شاهد موسى عليه السلام منه الأمر الخارج عن العادة قال هذا الكلام، لا لأجل أنه اعتقد فيه أنه فعل قبيحاً، بل لأنه أحب أن يقف على وجهه وسببه، وقد يقال في الشيء العجيب الذي لا يعرف سببه إنه أمر يقال أمر الأمر إذا عظم وقال الشاعر :