والثاني : أن يكون المعنى أن ذلك الولد كان يعاشرهما معاشرة الطغاة الكفار، فإن قيل : هل يجوز الإقدام على قتل الإنسان لمثل هذا الظن ؟ قلنا : إذا تأكد ذلك الظن بوحي الله جاز ثم قال تعالى :﴿فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مّنْهُ زكواة﴾ أي أردنا أن يرزقهما الله تعالى ولداً خيراً من هذا الغلام زكاة أي ديناً وصلاحاً، وقيل : إن ذكره الزكاة ههنا على مقابلة قول موسى عليه السلام :﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زكية بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ [ الكهف : ٧٤ ] فقال العالم : أردنا أن يرزق الله هذين الأبوين خيراً بدلاً عن ابنهما هذا ولداً يكون خيراً منه كما ذكرته من الزكاة، ويكون المراد من الزكاة الطهارة فكأن موسى عليه السلام قال : أقتلت نفساً طاهرة لأنها ما وصلت إلى حد البلوغ فكانت زاكية طاهرة من المعاصي فقال العالم : إن تلك النفس وإن كانت زاكية طاهرة في الحال إلا أنه تعالى علم منها أنها إذا بلغت أقدمت على الطغيان والكفر فأردنا أن يجعل لهما ولداً أعظم زكاة وطهارة منه وهو الذي يعلم الله منه أنه عند البلوغ لا يقدم على شيء من هذه المحظورات ومن قال إن ذلك الغلام كان بالغاً قال : المراد من صفة نفسه بكونها زاكية أنه لم يظهر عليه ما يوجب قتله ثم قال :﴿وَأَقْرَبَ رُحْماً﴾ أي يكون هذا البدل أقرب عطفاً ورحمة بأبويه بأن يكون أبر بهما وأشفق عليهما والرحم الرحمة والعطف.
روي أنه ولدت لهما جارية تزوجها نبي فولدت نبياً هدى الله على يديه أمة عظيمة.
بقي من مباحث هذه الآية موضعان في القراءة.
الأول : قرأ نافع وأبو عمرو يبدلهما بفتح الباء وتشديد الدال وكذلك في التحريم :﴿أَن يُبْدِلَهُ أزواجا﴾ وفي القلم :﴿عسى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا﴾ والباقون ساكنة الباء خفيفة الدال وهما لغتان أبدل يبدل وبدل يبدل.