وتحرير هذا عندي أنهما لفظان يدلان على ضعف الحال جداً، ومع المسكنة انكشاف وذل وسؤال، ولذلك جعلها الله صنفين، في قسم الصدقات، فأما حديث النبي ﷺ الذي هو :" ليس المسكين بهذا الطواف " فجعل المساكين في اللغة أهل الحاجة الذين قد كشفوا وجوههم، وأما قول الله تعالى :﴿ للفقراء الذين أحصروا ﴾ [ البقرة : ٢٧٣ ]. فجعل الفقراء أهل الحاجة الذين لم يكشفوا وجوههم، وقد تقدم القول في هذه المسألة بأوعب من هذا. وقوله ﴿ وكان وراءهم ملك ﴾ قال قوم معناه أمامهم، وقالوا وراء من الأضداد، وقرأ ابن جبير وابن عباس :" وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة " صحيحة وقرأ عثمان بن عفان " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة ".
قال القاضي أبو محمد : وقوله ﴿ وراءهم ﴾ هو عندي على بابه وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعاً بها الزمن، وذلك أن الحادث المقدم الوجود هو الإمام، وبين اليد : لما يأتي بعده في الزمن، والذي يأتي بعد : هو الوراء وهو ما خلف، وذلك بخلاف ما يظهر ببادي الرأي، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد، فهذه الآية معناها : أن هؤلاء وعملهم، وسعيهم، يأتي بعده في الزمن غصب هذا الملك، ومن قرأ " أمامهم "، أراد في المكان، أي إنهم كانوا يسيرون إلى بلده، وقوله تعالى في التوراة والإنجيل إنها بين يدي القرآن، مطرد على ما قلنا في الزمن، وقوله


الصفحة التالية
Icon