ولما كانت القرية لا تنافي التسمية بالمدينة، وكان التعبير بالقرية أولاً أليق، لأنها مشتقة من معنى الجمع، فكان أليق بالذم في ترك الضيافة لإشعاره ببخلهم حالة الاجتماع وبمحبتهم للجمع والإمساك، وكانت المدينة بمعنى الإقامة، فكان التعبير بها أليق للإشارة به إلى أن الناس يقيمون فيها، فينهدم الجدار وهم مقيمون فيأخذون الكنز، قال :﴿في المدينة﴾ فلذلك أقمته احتساباً ﴿وكان تحته كنز﴾ أي مال مدخور ﴿لهما﴾ لو وقع لكان أقرب إلى ضياعه ﴿وكان أبوهما صالحاً﴾ ينبغي مراعاته وخلفه في ذريته بخير.
ولما كان الإبلاغ إلى حد البلوغ والاستخراج فعل الله وحده، أسند إليه خاصة فقال :﴿فأراد ربك﴾ أي المحسن إليك بهذه التربية، إشارة إلى ما فعل بك من مثلها قبل النبوة كما بين ﴿أن يبلغا﴾ أي الغلامان ﴿أشدهما﴾ أي رشدهما وقوتهما ﴿ويستخرجا كنزهما﴾ لينتفعا به وينفعا الصالحين ﴿رحمة﴾ بهما ﴿من ربك﴾ أي الذي أحسن تربيتك وأنت في حكم اليتيم فكان التعب في إقامة الجدار مجاناً أدنى من الضرر اللازم من سقوطه لضياع الكنز وفساد الجدار، وقد دل هذا على أن صلاح الآباء داعٍ إلى العناية بالأبناء، روي عن الحسن بن علي رضي الله عهنما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما : بم حفظ الله كنز الغلامين؟ قال : بصلاح أبيهما، قال فأبي وجدي خير منه، قال أنبأنا الله أنكم قوم خصمون.
﴿وما فعلته﴾ أي شيئاً من ذلك ﴿عن أمري﴾ بل عن أمر من له الأمر، وهو الله.