قيل : ولعل ذا القرنين لما بلغ ساحل البحر المحيط رآها كذلك في نظره، ولا يبعد أن يقال : لا مانع من أن يمكنه الله من عبور البحر المحيط حتى يصل إلى تلك العين التي تغرب فيها الشمس، وما المانع من هذا بعد أن حكى الله عنه أنه بلغ مغرب الشمس، ومكن له في الأرض والبحر من جملتها، ومجرد الاستبعاد لا يوجب حمل القرآن على خلاف ظاهره ﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً ﴾ الضمير في عندها إما للعين أو للشمس.
قيل : هم قوم لباسهم جلود الوحش، وكانوا كفاراً، فخيّره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم، فقال :﴿ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ أي : إما أن تعذبهم بالقتل من أوّل الأمر، وإما أن تتخذ فيهم أمراً ذا حسن أو أمراً حسناً مبالغة بجعل المصدر صفة للأمر، والمراد : دعوتهم إلى الحق وتعليمهم الشرائع.
﴿ قَالَ ﴾ ذو القرنين مختاراً للدعوة التي هي الشق الأخير من الترديد ﴿ أَمَّا مَن ظَلَمَ ﴾ نفسه بالإصرار على الشرك ولم يقبل دعوتي ﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ بالقتل في الدنيا ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ ﴾ في الآخرة ﴿ فَيْعَذّبُهُ ﴾ فيها ﴿ عَذَاباً نُّكْراً ﴾ أي : منكراً فظيعاً.
قال الزجاج : خيّره الله بين الأمرين.
قال النحاس : وردّ عليّ بن سليمان قوله لأنه لم يصح أن ذا القرنين نبيّ فيخاطب بهذا، فكيف يقول لربه عزّ وجلّ ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ ﴾ وكيف يقول :﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ فيخاطبه بالنون، قال : والتقدير قلنا : يا محمد قالوا : يا ذا القرنين.
قال النحاس : وهذا الذي ذكره لا يلزم لجواز أن يكون الله عزّ وجلّ خاطبه على لسان نبيّ في وقته، وكأن ذا القرنين خاطب أولئك القوم فلا يلزم ما ذكره.
ويمكن أن يكون مخاطباً للنبيّ الذي خاطبه الله على لسانه، أو خاطب قومه الذين وصل بهم إلى ذلك الموضع.


الصفحة التالية
Icon