ومطلع الشمس : جهة المشرق من سلطانه ومملكته، بلغ جهة قاصية من الشرق حيث يُخال أن لا عمران وراءها، فالمطلع مكان الطلوع.
والظاهر أنه بلغ ساحل بحر اليابان في حدود منشوريا أو كوريا شرقاً، فوجد قوماً تطلع عليهم الشمس لا يسترهم من حرها، أي لا جبل فيها يستظلون بظلّه ولا شجر فيها، فهي أرض مكشوفة للشمس، ويجوز أن يكون المعنى أنهم كانوا قوماً عراة فكانوا يتّقون شعاع الشمس في الكهوف أو في أسراب يتخذونها في التراب.
فالمراد بالستر ما يستر الجسد.
وكانوا قد تعودوا ملاقاة حرّ الشمس، ولعلهم كانوا يتعرضون للشمس ليدفعوا عن أنفسهم ما يلاقونه من القُر ليلاً.
وفي هذه الحالة عبرة من اختلاف الأمم في الطبائع والعوائد وسيرتهم على نحو مناخهم.
﴿ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (٩١) ﴾
الكاف للتشبيه، والمشبه به شيء تضمنه الكلام السابق بلفظه أو معناه.
والكاف ومجرورها يجوز أن يكون شِبه جملة وقع صفة لمصدر محذوف يدلّ عليه السياق، أي تشبيهاً مماثلاً لما سمعت.
واسم الإشارة يشير إلى المحذوف لأنه كالمذكور لتقرر العلم به، والمعنى : من أراد تشبيهه لم يشبهه بأكثر من أن يشبهه بذاته على طريقة ما تقدم في قوله تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ﴾ في سورة البقرة ( ١٤٣ ).
ويجوز أن يكون جزء جملة حذف أحد جزأيها والمحذوف مبتدأ.
والتقدير : أمر ذي القرنين كذلك، أي كما سمعت.
ويجوز أن يكون صفة ل قَوْماً كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } أي قوماً كذلك القوم الذين وجدهم في مغرب الشمس، أي في كونهم كفاراً، وفي تخييره في إجراء أمرهم على العقاب أو على الإمهال.
ويجوز أن يكون المجرور جزء جملة أيضاً جلبت للانتقال من كلام إلى كلام فيكون فصل خطاب كما يقال : هذا الأمر كذا.
وعلى الوجوه كلها فهو اعتراض بين جملة ﴿ ثم أتبع سبباً حتى إذا بلغ مطلع الشمس ﴾ الخ...


الصفحة التالية
Icon