ومنها : الاعتبار بتخليد جميل الثناء، وجليل الآثار. فإن من أنعم النظر فيما قص عنه في هذه الآيات الكريمة، يتضح له جلياً حسن سجاياه وسمو مزاياه. من الشجاعة وعلوّ الهمّة والعفّة والعدل. ودأبه على توطيد الأمن وإثابته المحسنين وتأديبه للظالمين. والإحسان إلى النوع البشري، ولا سيما في زمان كان فيه أكثر عوائد وأخلاق الأمم المتمدنة وغير المتمدنة، وحشية فاسدة.
ومنها : الاهتمام بتوحيد الكلمة لمن يملك أمماً متباينة. كما كان يرمي إليه سعى الإسكندر. فإنه دأب على توحيد الكلمة بين الشعوب ومزج تلك الأمم المختلفة ليربطها بصلات الحب والعوائد. وقد حكي أنه كان يجيّش من كل أمة استولى عليها، جيشاً عرمرماً [ في المطبوع : عرمزما ]، يضيفه إلى جيشه المكدوني اليوناني. ويأمر رجاله أن يتزوجوا من بناتهم، لتوثيق عرى المحبة والارتباط، وإزالة البغض والشحناء.
ومنها : الاعتبار بما يبلغه الإنسان، وما فيه من بليغ الاستعداد. يقضي على المرء أن يعيش أولاً طفلاً مرضَعاً. لا يعلم ما حوله ولا يطلب غير ما تحتاج إليه طبيعته الضعيفة، قياما بما تقتضيه أسباب الحياة، وهو ملقى إذ ذاك لا إرادة له. وعرضة لأسقام تذيقه الآلام، وقد تجرعه كأس الحمام قبل أن يرى ويدرك شيئاً من هذا النظام. فإذا استظهرت فيه عوامل الحياة على دواعي الممات، وسرت بجسمه قوى الشبيبة، وصرف ما أنعم الله عليه، إلى ما خلق لأجله، ترعرع إنساناً عظيماً ظافراً بمنتهى أمله.
التنبيه الثاني : في ذي القرنين. اتفق المحققون على أن اسمه الإسكندر بن فيليس، وقال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " في الكلام على الفلاسفة : ومن ملوكهم الإسكندر المقدوني وهو ابن فيليس وليس بالإسكندر ذي القرنين الذي قص الله تعالى نبأه في القرآن بل بينهما قرون كثيرة وبينهما في الدين أعظم تباين.


الصفحة التالية
Icon