وأما قول الفخر الرازيّ : إن في كون الإسكندر ذا القرنين إشكالاً قويّاً. وهو أنه كان تلميذ أرسطاطاليس الحكيم وكان على مذهبه، فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حقّ وصدق. وذلك مما لا سبيل إليه فلا يخفى دفع هذا اللزوم. فإن من كان تابعاً لمذهب فمدح لأمر ما يوجب مدحه لأجله، فلا يلزم أن يكون المدح لأجل مذهبه ومتبوعه. إذ قد يقوم فيه من الخلال و المزايا ما لا يوجد في متبوعه. وقد يبدو له من الأنظار الصحيحة ما لا يكون في مذهبه الذي نشأ عليه مقلداً. أفلا يمكن أن يكون حرّاً في فكره ينبذ التقليد الأعمى ويعتنق الحق. ومن آتاه الله من الملك ما آتاه، أفيمتنع أن يؤتيه من تنور الفكر وحرية الضمير ونفوذ البصيرة ما يخالف به متبوعه. هذا على فرض أن متبوعه مذموم. وقد عرفت أن متبوعه أعني : أرسطاطاليس، كان موحداً. وهو معروف في التاريخ لا سترة فيه. على أنه لو استلزمت الآية مدح مذهب أستاذه لكان ذلك في الأصول التي هي المقصودة بالذات، وكفى بهما كمالا. وللرازيّ فرض يغتنم بها التنويه بالحكماء والتعريف لمذهبهم، وهذه منها. وإن صبغها - سامحه الله - في هذا الأسلوب. عرف ذلك من عرف.
التنبيه الثالث : اختلف في سبب تلقيبه بذي القرنين. فقيل لأنه طاف قرني الدنيا. يعني جانبيها شرقها وغربها. أو لأنه كان له قرنان أي : ضفيرتان. أو لأنه ملك الروم وفارس.
قال الزمخشري : ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته، كما يسمى الشجاع كبشا لأنه ينطح أقرانه.