أقول : هذا اللقب من الكناية عن كل ذي قوة وبأس وسلطان. لأن ذا القرون من المواشي أقواها وأشدها. والكناية بالقرن عن القوة والسلطان معروفة عند اليهود، الذين هم السائلون. وقد وقع في توراتهم في نبوة دانيال عليه السلام قوله عن الملك : فإذا أنا بكبش واقف عند النهر. وله قرنان، ثم قوله : وبينما كنت متأملا إذا بتيس معز قد أقبل من المغرب على وجه الأرض كلها. وللتيس قرن عجيب المنظر بين عينيه، قالوا : القرن هنا رمز إلى القوة والسلطان. والتيس رمز إلى مملكة اليونان. وقرنه رمز إلى أول ملك على هذه المملكة وهو الإسكندر الكبير. وما أشار إليه من سرعة مسير هذا التيس إيماء إلى كثرة ما دهم البلاد من الغارات المتواصلة. قوله : خرج من المغرب إشارة إلى خروجه من مكدونية التي هي إلى غرب فارس، وذلك حين تقدم على جيوش داريوس وكسره. وتعقبه إلى داخل مملكته. والقصد أن هذا اللقب - ذو القرنين - شهير وليس من أوضاع العرب خاصة. كما زعمه بعضهم. بل هو معروف عند العبرانين أيضاً. وقد يظهر أنه من رموزهم الخاصة التي سرت إلى العرب. وأقرتهم عليها.
التنبيه الرابع : قال الرازي : اختلفوا في ذي القرنين. هل كان من الأنبياء أم لا ؟ منهم من قال : إنه كان نبياً. واحتجوا عليه بوجوه :
الأول : قوله :﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ والأولى حمله على التمكين في الدين. و التمكين الكامل في الدين هو النبوة.
الثاني : قوله :﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ﴾ ومن جملة الأشياء النبوة.
فمقتضى العموم في قوله :﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ﴾ هو أنه تعالى آتاه من النبوة سبباً.
الثالث : قوله تعالى :﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ والذي يتكلم الله معه لابد أن يكون نبياً.
ومنهم من قال إنه عبداً صالحاً وما كان نبياً. انتهى.