واختُلف في نبوته بعد الاتفاق على إسلامه وولايتِه، فقيل : كان نبياً لقوله تعالى :﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرض ﴾ وظاهر أنه متناولٌ للتمكين في الدين وكمالُه بالنبوة، ولقوله تعالى :﴿ واتيناه مِن كُلّ شَىْء سَبَباً ﴾ ومن جملة الأشياء النبوةُ، ولقوله تعالى :﴿ قُلْنَا ياذا القرنين ﴾ ونحوِ ذلك، وقيل : كان ملكاً لما رُوي أن عمرَ رضي الله عنه سمع رجلاً يقول لآخر : يا ذا القرنين، فقال : اللهم غفراً أما رضِيتم أن تتسموا بأسماء الملائكة.
قال ابن كثير : والصحيحُ أنه ما كان نبياً ولا ملكاً وإنما كان ملكاً صالحاً عادلاً ملَك الأقاليَم وقهر أهَلها من الملوك وغيرَهم ودانتْ له البلادُ، وأنه كان داعياً إلى الله تعالى سائراً في الخلق بالمَعْدلة التامة والسلطانِ المؤيَّدِ المنصورِ، وكان الخضر على مقدمة جيشِه بمنزلة المستشار الذي هو من الملك بمنزلة الوزير، وقد ذكر الأزرقي وغيرُه أنه أسلم على يدَيْ إبراهيمَ الخليلِ عليه الصلاة والسلام فطاف معه بالكعبة هو وإسماعيلُ عليهم السلام. ورُوي أنه حج ماشياً فلما سمع إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام بقدومه تلقاه ودعا له وأوصاه بوصايا، ويقال : إنه أُتيَ بفرس ليركب فقال : لا أركب في بلد فيه الخليل، فعند ذلك سُخّر له السحاب وطُويَ له الأسباب وبشره إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام بذلك فكانت السحابُ تحمله وعساكرَه وجميعَ آلاتِهم إذا أرادوا غزوةَ قومٍ، وقال أبو الطفيل : سُئل عنه عليٌّ كرم الله وجهه أكان نبياً أم ملِكاً؟ فقال : لم يكن نبياً ولا ملكاً لكن كان عبداً أحب الله فأحبه وناصح الله فناصحه سُخر له السحابُ ومُدّ له الأسباب.


الصفحة التالية
Icon