وقال أبو زيد السهيلي : هم قوم من نسل ثمود كانوا يسكنون جابرسا وهي مدينة عظيمة لها اثنا عشر باباً ويقال لها بالسريانية : جرجيسا، وروى نحو ذلك عن ابن جريج، وزعم ابن السائب أنه كان فيهم مؤمنون وكافرون، والذي عليه الجمهور أنهم كانوا كفاراً فخيره الله تعالى بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الايمان وذلك قوله تعالى :﴿ قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذّبَ ﴾ بالفتل من أول الأمر ﴿ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ أي أمراً ذا حسن على حذف المضاف أو على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة وذلك بالدعوة إلى الحق والإرشاد إلى ما فيه الفوز بالدرجات ؛ ومحل إن مع صلته إما الرفع على الابتداء أو على الخبر وإما النصب على المفعولية أما تعذيبك واقع أو اما أمرك تعذيبك أو اما تفعل أو توقع تعذيبك وهكذا الحال في الاتخاذ، وقدم التعذيب لأنه الذي يستحقونه في الحال لكفرهم، وفي التعبير بإما أن تتخذ فيهم حسناً دون إما أن تدعوهم مثلاً إيماء إلى ترجيح الشق الثاني، واستدل بالآية من قال بنبوته، والقول عند بعضهم بواسطة ملك وعند آخرين كفاحاً ومن لم يقل بنبوته قال : كان الخطاب بواسطة نبي في ذلك العصر أو كان ذلك إلهاماً لا وحياً بعد أن كان ذلك التخيير موافقاً لشريعة ذلك النبي.
وتعقب هذا بأن مثل هذا التخييل المتضمن لإزهاق النفوس لا يجوز أن يكون بالإلهام دون الاعلام وإن وافق شريعة، ونقض ذلك بقصة إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه بالرؤية وهي دون الإلهام، وفيه أن رؤية الأنبياء عليهم السلام وإلهاماتهم وحي كما بين في محله، والكلام هنا على تقدير عدم النبوة وهو ظاهر.


الصفحة التالية
Icon