وقال علي بن عيسى : المعنى قلنا يا محمد قالوا أي جنده الذين كانوا معه يا ذا القرنين فحذف القول اعتماداً على ظهور أنه ليس بنبي وهو من التكلف بمكان، وقريب منه دعوى أن القائل العلماء الذين معه قالوه عن اجتهاد ومشاورة له بذلك ونسبه الله تعالى إليه مجازاً، والحق أن الآية ظاهرة الدلالة في نبوته ولعلها أظهر في ذلك من دلالة قوله تعالى :﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] على نبوة الخضر عليه السلام، وكأن الداعي إلى صرفها عن الظاهر الأخبار الدالة على خلافها، ولعل الأول في تأويلها أن يقال : كان القول بواسطة نبي.
﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (٨٧) ﴾
﴿ قَالَ ﴾ ذو القرنين لذلك النبي أو لمن عنده من خواصه بعد أن تلقى أمره تعلى مختاراً للشق الأخير من شقي التخيير حسبما أرشد إليه ﴿ أَمَّا مَن ظَلَمَ ﴾ نفسه ولم يقبل دعوتي وأصر على ما كان عليه من الظلم العظيم الذي هو الشرك ﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ بالقتل، والظاهر أنه كان بالسيف، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان عذابه أن يجعلهم في بقر من صفر ثم يوقد تحتهم النار حتى يتقطعوا فيها وهو بعيد عن الصحة، وأتى بنون العظمة على عادة الملوك، وإسناد التعذيب إليه لأنه السبب الآمر، ودعوى صدور ذلك منه بالذات في غاية البعد، وقيل : أراد من الضمير الله تعالى ونفسه والإسناد باعتبار الخلق والكسب وهو أيضاً بعيد مع ما فيه من تشريك الله تعالى مع غيره في الضمير وفيه من الخلاف ما علمت ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ ﴾ في الآخرة ﴿ فَيْعَذّبُهُ ﴾ فيها ﴿ عَذَاباً نُّكْراً ﴾ أي منكراً فظيعاً وهو العذاب في نار جهنم، ونصب ﴿ عَذَاباً ﴾ على أنه مصدر يعذبه، وقيل : تنازع فيه هو ونعذبه والمراد بالعذاب النكر نظراً إلى الأول ما روى عن السدي وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى.