فصل
قال الفخر :
ثم ذكر تعالى ما نبه به على جهل القوم فقال :﴿قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بالأخسرين أعمالا * الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الحياة الدنيا﴾ قيل إنهم هم الرهبان كقوله تعالى :﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ [ الغاشية : ٣ ] وعن مجاهد أهل الكتاب وعن علي أن ابن الكواء سأله عنهم فقال : هم أهل حروراء والأصل أن يقال هو الذي يأتي بالأعمال يظنها طاعات وهي في أنفسها معاصي وإن كانت طاعات لكنها لا تقبل منهم لأجل كفرهم فأولئك إنما أتوا بتلك الأعمال لرجاء الثواب، وإنما أتبعوا أنفسهم فيها لطلب الأجر والفوز يوم القيامة فإذا لم يفوزوا بمطالبهم بين أنهم كانوا ضالين، ثم إنه تعالى بين صنعهم فقال :﴿أُوْلَئِكَ الذين كَفَرُواْ بآيات رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
لقاء الله عبارة عن رؤيته بدليل أنه يقال : لقيت فلاناً أي رأيته، فإن قيل : اللقاء عبارة عن الوصول، قال تعالى :﴿فَالْتَقَى الماء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [ القمر : ١٢ ] وذلك في حق الله تعالى محال، فوجب حمله على لقاء ثواب الله، والجواب أن لفظ اللقاء، وإن كان في الأصل عبارة عن الوصول والملاقاة إلا أن استعماله في الرؤية مجاز ظاهر مشهور، والذي يقولونه من أن المراد منه لقاء ثواب الله فهو لا يتم إلا بالإضمار، ومن المعلوم أن حمل اللفظ على المجاز المتعارف المشهور أولى من حمله على ما يحتاج معه إلى الإضمار.
المسألة الثانية :
استدلت المعتزلة بقوله تعالى :﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ على أن القول بالإحباط والتكفير حق، وهذه المسألة قد ذكرناها بالاستقصاء في سورة البقرة فلا نعيدها، ثم قال تعالى :﴿فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً﴾ وفيه وجوه.
الأول : أنا نزدري بهم وليس لهم عندنا وزن ومقدار.