ورابعها : ولا تكونوا أول كافر به، يعني بكتابكم يقول ذلك ولعلمائهم : أي و لا تكونوا أول أحد من أمتكم كذلك كتابكم لأن تكذيبكم بمحمد ﷺ يوجب تكذيبكم بكتابكم.
وخامسها : أن المراد منه بيان تغليظ كفرهم وذلك لأنهم لما شاهدوا المعجزات الدالة على صدقه عرفوا البشارات الواردة في التوراة والإنجيل بمقدمه فكان كفرهم أشد من كفر من لم يعرف إلا نوعاً واحداً من الدليل والسابق إلى الكفر يكون أعظم ذنباً ممن بعده لقوله عليه السلام :" من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها " فلما كان كفرهم عظيماً وكفر من كان سابقاً في الكفر عظيماً فقد اشتركا من هذا الوجه فصح إطلاق اسم أحدهما على الآخر على سبيل الاستعارة.
وسادسها : المعنى ولا تكونوا أول من جحد مع المعرفة لأن كفر قريش كان مع الجهل لا مع المعرفة.
وسابعها : أول كافر به من اليهود لأن النبي ﷺ قدم المدينة وبها قريظة والنضير فكفروا به ثم تتابعت سائر اليهود على ذلك الكفر فكأنه قيل : أول من كفر به من أهل الكتاب وهو كقوله :﴿وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين﴾ [ البقرة : ٤٧، ١٢٢ ] أي على عالمي زمانهم.
وثامنها : ولا تكونوا أول كافر به عند سماعكم بذكره بل تثبتوا فيه وراجعوا عقولكم فيه، وتاسعها : أن لفظ :" أول" صلة والمعنى ولا تكونوا كافرين به، وهذا ضعيف، السؤال الثاني : أنه كان يجوز لهم الكفر إذ لم يكونوا أولاً، والجواب من وجوه :
أحدها : أنه ليس في ذكر تلك الشيء دلالة على أن ما عداه بخلافه، وثانيها : أن في قوله :﴿وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ﴾ دلالة على أن كفرهم أولاً وآخراً محظور، وثالثها : أن قوله :﴿رَفَعَ السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [ الرعد : ٢ ] لا يدل على وجود عمد لا يرونها.
وقوله :﴿وَقَتْلِهِمُ الأنبياء بِغَيْرِ حَقّ﴾ [ النساء : ١٥٥ ] لا يدل على وقوع قتل الأنبياء بحق.


الصفحة التالية
Icon