وبعض التعريض يحصل من قرائن الأحوال عند النطق بالكلام ولعل هذا لا يوصف بحقيقة ولا مجاز ولا كناية وهو من مستتبعات التراكيب ودلالتها العقلية وسيجيء لهذا زيادة بيان عند قوله تعالى :﴿ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء﴾ [ البقرة : ٢٣٥ ] في هذه السورة.
المعنى الثاني أن يكون المقصود التعريض بالمشركين وأنهم أشد من اليهود كفراً أي لا تكونوا في عدادهم ولعل هذا هو مراد صاحب " الكشاف" من قوله :" ويجوز أن يراد ولا تكونوا مثل أول كافر به يعني من أشرك من أهل مكة" ولا يريد أنه تشبيه بليغ وإن كان كلامه يوهمه وسكت عنه شراحه.
المعنى الثالث : أن يراد من " أول" المبادرُ والمستعجِل لأنه من لوازم الأولية كما قال تعالى :﴿فأنا أول العابدين﴾ [ الزخرف : ٨١ ] وقال سعيد بن مقروم الضبي :
فدَعَوْا نَزَاللِ فكنتُ أولَ نازل...
وعلاَمَ أركَبُه إذا لم أنزِلِ
فقوله : أول نازل لا يريد تحقيق أنه لم ينزل أحد قبله وإنما أراد أنه بادر مع الناس فإن الشأن أنه إذا دعا القوم نزاللِ أن ينزل السامعون كلهم ولكنه أراد أنه ممن لم يتربص.
ويكون المعنى ولا تعجَلوا بالتصريح بالكفر قبل التأمل، فالمراد من الكفر هنا التصميم عليه لا البقاء على ما كانوا عليه فتكون الكناية بالمفرد وهو كلمة ( أول ).
المعنى الرابع : أن يكون " أول" كناية عن القدوة في الأمر لأن الرئيس وصاحب اللواء ونحوهما يتقدمون القوم، قال تعالى :﴿يقدم قومه يوم القيامة﴾ [ هود : ٩٨ ] وقال خالد بن زهير وهو ابن أخت أبي ذؤيب الهذلي :
فلا تَجْزَعَنْ من سُنةٍ أنتَ سِرْتَها...
فأول راضٍ سُنةً مَن يسِيرها
أي الأجدر والناصر لسنة، والمعنى ولا تكونوا مقرين للكافرين بكفركم فإنهم إن شاهدوا كفركم كفروا اقتداء بكم وهذا أيضاً كناية بالمفرد.


الصفحة التالية
Icon