المعنى الخامس : أن يكون المراد الأول بالنسبة إلى الدعوة الثانية وهي الدعوة في المدينة لأن ما بعدالهجرة هو حال ثانية للإسلام، فيها ظهر الإسلام متميزاً مستقلاً.
هذا كله مبني على جعل الضمير المجرور بالباء في قوله :﴿كافر به﴾ عائداً على ما ﴿ما أنزلتُ﴾ أي القرآن وهو الظاهر لأنه ذكر في مقابل الإيمان به.
وقيل إن الضمير عائد على ما معكم وهو التوراة قال ابن عطية :" وعلى هذا القول يجيء ﴿أول كافر﴾ مستقيماً على ظاهره في الأولية" ولا يخفى أن هذا الوجه تكلف لأنه مؤول بأن كفرهم بالقرآن وهو الذي جاء على نحوما وصفت التوراةُ وكتبُ أنبيائهم في بشاراتهم بنبىءٍ وكتاب يكونان من بعد موسى فإذا كذبوا بذلك فقد كفروا بصحة ما في التوراة فيُفضي إلى الكفر بما معهم.
قال التفتازاني : وهذا كله إنما يتم لو كان كفرهم به بمعنى ادعائهم أنه كله كذب وأما إذا كفروا بكونه كلام الله واعتقدوا أن فيه صدقاً وكذباً فلا يتم، ولهذا كان هذا الوجه مرجوحاً، ورده عبد الحكيم بما لا يليق به.
وبهذا كله يتضح أن قوله :﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ لا يتوهم منه أن يكون النفي منصباً على القيد بحيث يفيد عدم النهي عن أن يكونوا ثاني كافر أو ثالث كافر بسبب القرينة الظاهرة وأن أول كافر ليس من قبيل الوصف الملازم حتى يستوي في نفي موصوفه أن يذكر الوصف وأن لا يذكر كقول امرىء القيس :
على لاحبٍ لا يُهتدى بمناره...
وقول ابن أحمر :
ولا ترى الضَّبَّ بها ينجَحِرْ...
كما سيأتي في قوله تعالى :﴿ولا تشتروا بايتي ثمناً قليلاً﴾ عقب هذا. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١ صـ ٤٤٤ ـ ٤٤٧﴾