قوله تعالى ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بآياتي ثَمَنًا قَلِيلاً﴾
فصل
قال الفخر :
أما قوله :﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بآياتي ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ فقد بينا في قوله :﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ [ البقرة : ١٦ ]، أن الاشتراء يوضع موضع الاستبدال فكذا الثمن يوضع موضع البدل عن الشيء، والعوض عنه، فإذا اختير على ثواب الله شيء من الدنيا فقد جعل ذلك الشيء ثمناً عند فاعله.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن رؤساء اليهود مثل كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وأمثالهما كانوا يأخذون من فقراء اليهود الهدايا وعلموا أنهم لو اتبعوا محمداً لانقطعت عنهم تلك الهدايا، فأصروا على الكفر لئلا ينقطع عنهم ذلك القدر المحقر، وذلك لأن الدنيا كلها بالنسبة إلى الدين قليلة جداً فنسبتها إليه نسبة المتناهي إلى غير المتناهي، ثم تلك الهدايا كانت في نهاية القلة بالنسبة إلى الدنيا، فالقليل جداً من القليل جداً أي نسبة له إلى الكثير الذي لا يتناهى ؟ واعلم أن هذا النهي صحيح سواء كان فيهم من فعل ذلك أو لم يكن، بل لو ثبت أن علماءهم كانوا يأخذون الرشا على كتمان أمر الرسول ﷺ وتحريف ما يدل على ذلك من التوراة كان الكلام أبين، وأما قوله :﴿وإياى فاتقون﴾ فيقرب معناه مما تقدم من قوله :﴿وإياى فارهبون﴾ والفرق أن الرهبة عبارة عن الخوف، وأما الاتقاء فإنما يحتاج إليه عند الجزم بحصول ما يتقى منه فكأنه تعالى أمرهم بالرهبة لأجل أن جواز العقاب قائم، ثم أمرهم بالتقوى لأن تعين العقاب قائم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣ صـ ٤٠﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بآياتي ثَمَنًا قَلِيلاً﴾.
عطف على النهي الذي قبله وهذا النهي موجَّه إلى علماء بني إسرائيل وهم القدوة لقومهم والمناسبة أن الذي صدهم عن قبول دعوة الإسلام هو خشيتهم أن تزول رئاستهم في قومهم فكانوا يتظاهرون بإنكار القرآن ليلتف حولهم عامة قومهم فتبقى رئاستهم عليهم، قال النبيء ﷺ " لو آمن بي عشرة من اليهود لآمَن بي اليهودُ كلهم "