فصل


قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾ فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ﴾ معطوف على قوله :﴿وَلاَ تكونوا﴾.
نهاهم عن أن يكونوا أوّل من كفر وألا يأخذوا على آيات الله ثمناً ؛ أي على تغيير صفة محمد ﷺ رُشًى.
وكان الأحبار يفعلون ذلك فنُهوا عنه ؛ قاله قوم من أهل التأويل، منهم الحسن وغيره.
وقيل : كانت لهم مآكل يأكلونها على العلم كالراتب ؛ فنهُوا عن ذلك.
وقيل : إن الأحبار كانوا يعلّمون دينهم بالأجرة فنُهوا عن ذلك.
وفي كتبهم : يابنَ ادم عَلّم مَجّاناً كما عُلّمت مَجّاناً ؛ أي باطلاً بغير أجرة ؛ قاله أبو العالية.
وقيل : المعنى ولا تشتروا بأوامري ونواهيّ وآياتي ثمناً قليلاً، يعني الدنيا ومدّتها والعيش الذي هو نزر لا خطر له ؛ فسُمّى ما اعتاضوه عن ذلك ثمناً ؛ لأنهم جعلوه عوضاً ؛ فانطلق عليه اسم الثمن وإن لم يكن ثمناً.
وقد تقدّم هذا المعنى.
وقال الشاعر :
إن كنتَ حاولتَ ذنباً أو ظفِرتَ به...
فما أصبتَ بترك الحج مِن ثَمَن
قلت : وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول مَن فعل فعلهم.
فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله، أو امتنع من تعليم ما وَجَب عليه، أو أداء ما علمه وقد تعيّن عليه حتى يأخذ عليه أجراً فقد دخل في مقتضى الآية.
والله أعلم.
وقد روى أبو داود عن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ :" مَن تعلّم علماً مما يُبتغَى به وجه الله عز وجل لا يتعلّمه إلا ليصيب به عَرَضاً من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة " يعني ريحها.


الصفحة التالية
Icon