الثانية : وقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم لهذه الآية وما كان في معناها ؛ فمنع ذلك الزُّهِريّ وأصحاب الرأي وقالوا : لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ؛ لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نيّة التقرّب والإخلاص ؛ فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام.
وقد قال تعالى :﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾.
وروى ابن عباس أن النبيّ ﷺ :" معلّمُو صبيانكم شراركم أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين " " وروى أبو هريرة قال : قلت يا رسول الله ما تقول في المعلمين ؟ قال :" درهمهم حرام وثوبهم سُحْت وكلامهم رياء" ".
" وروى عُبَادة بن الصّامت قال : علّمت ناساً من أهل الصُّفّة القرآن والكتابة، فأهدى إليّ رجل منهم قوساً ؛ فقلت : ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، فسألت عنها رسول الله ﷺ ؛ فقال :" إنْ سرّك أن تُطَوَّق بها طوقاً من نار فاقبلها" " وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء ؛ لقوله عليه السلام في حديث ابن عباس حديثِ الرُّقْيَة :" إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله " أخرجه البخاري، وهو نصٌّ يرفع الخلاف، فينبغي أن يعوّل عليه.
وأمّا ما احتج به المخالف من القياس على الصلاة والصيام ففاسد ؛ لأنه في مقابلة النص ؛ ثم إن بينهما فُرقاناً، وهو أن الصلاة والصوم عباداتٌ مختصّة بالفاعل، وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلّم ؛ فتجوز الأجرة على محاولته النقل كتعليم كتابة القرآن.
قال ابن المنذر : وأبو حنيفة يكره تعليم القرآن بأجرة ؛ ويجوِّز أن يستأجر الرجلَ يكتب له لوحاً أو شِعراً أو غناء معلوماً بأجرٍ معلوم ؛ فيجوّز الإجارة فيما هو معصية ويبطلها فيما هو طاعة.
وأما الجواب عن الآية فالمراد بها بنو إسرائيل، وشَرْعُ مَن قبلنا هل هو شَرْع لنا ؛ فيه خلاف، وهو لا يقول به.


الصفحة التالية
Icon