ومما يشمله تصديق القرآن لما معهم أن الصفات التي اشتمل عليها القرآن ودين الإسلام والجائي به موافقة لما بشرت به كتبهم فيكون وروده معجزة لأنبيائهم وتصديقاً آخر لدينهم وهو أحد وجهين ذكرهما الفخر والبيضاوي فيلزم تأويل التصديق بالتحقيق لأن التصديق حقيقة في إعلام المخبَر ( بفتح الباء ) بأن خبر المخبِر مطابق للواقع إما بقوله صدقت أو صدقَ فلان كما ورد في حديث جبريل في " صحيح البخاري" لما سأله عن الإيمان والإسلام والإحسان أنه لما أخبره قال السائل صدقتَ قال : فعَجِبْنا له يَسْأَلُه ويُصدقه، وإما بأن يخبر الرجل بخبر مثل ما أخبر به غيره فيكون إخباره الثاني تصديقاً لإخبار الأول.
وأما إطلاق التصديق على دلالة شيء على صدققِ خبرٍ مَّا فهو إطلاق مجازي والمقصود وصف القرآن بكونه مصدقاً لما معهم بأخباره وأحكامه لا وصف الدين والنبوة كما لا يخفى. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١ صـ ٤٣٤ ـ ٤٤٤﴾
قوله تعالى ﴿وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾
فصل
قال الفخر :
معناه أول من كفر به أو أول فريق أو فوج كافر به أو ولا يكن كل واحد منكم أول كافر به.
ثم فيه سؤلان :
الأول : كيف جعلوا أول من كفر به وقد سبقهم إلى الكفر به مشركو العرب ؟ والجواب من وجوه : أحدها : أن هذا تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته ولأنهم كانوا هم المبشرون بزمان محمد ﷺ والمستفتحون على الذين كفروا به فلما بعث كان أمرهم على العكس لقوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ﴾ [ البقرة : ٨٩ ].
وثانيها : يجوز أن يراد ولا تكونوا مثل أول كافر به يعني من أشرك من أهل مكة، أي ولا تكونوا وأنتم تعرفونه مذكوراً في التوراة والإنجيل مثل من لم يعرفه وهو مشرك لا كتاب له.
وثالثها : ولا تكونوا أول كافر به من أهل الكتاب لأن هؤلاء كانوا أول من كفر بالقرآن من بني إسرائيل وإن كانت قريش كفروا به قبل ذلك.