فصل فى التعريف بالسورة الكريمة


قال الشيخ محمد أبو زهرة :
سورة مريم
تمهيد :
هذه السورة مكية، وقيل أن آيتى ٥٨، ٧١ مدنيتان، وعدد آياتها ثمان وتسعون آية.
وقد ابتدأت هذه السورة الكريمة بذكر معجزات خارقة للعادة فى الوجود الإنسانى، ذلك أن الفلسفة الأيونية كانت قائمة على أن الأسباب وعلاقتها بالمسببات لا تخالف قط حتى بنوا نظرية الألوهية على العلية، وقالوا : إن العالم نشأ عن الله تعالى نشوء العلة من المعلول من غير إرادة من الفاعل المختار، فجاءت السورة فى كثير من آياتها بما هو خرق لهذه النظرية. إن من أسباب الخلق أن الشيخ الكبير لا ينجب وأن المرأة العاقر لا تلد فإذا أنجب الرجل الهرم من عجوز عاقر، فذلك خرق لنظرية الأسباب، إذ يوجد الولد من عاقر عجوز لا تنجب ومن شيخ هرم لا ينسل.
وقد ابتدأت السورة الكريمة بذكر نبى الله زكريا ( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦).
والله تعالى يجيب دعاءه فيقول سبحانه له :( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)
ولكن تأثره بمجرى الأسباب العادية يثير استغرابه فيقول :( أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩).


الصفحة التالية
Icon