والظل الغالب في الجو هو ظل الرحمة والرضى والاتصال. فهي تبدأ بذكر رحمة الله لعبده زكريا(ذكر رحمة ربك عبده زكريا)وهو يناجي ربه نجاء:(إذ نادى ربه نداء خفيا).. ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها وظلها في ثنايا السورة كثيرا. ويكثر فيها اسم(الرحمن). ويصور النعيم الذي يلقاه المؤمنون به في صورة ود:(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)ويذكر من نعمة الله على يحيى أن آتاه الله حنانا(وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا). ومن نعمة الله على عيسى أن جعله برا بوالدته وديعا لطيفا:
(وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا)..
وإنك لتحس لمسات الرحمة الندية ودبيبها اللطيف في الكلمات والعبارات والظلال. كما تحس انتفاضات الكون وارتجافاته لوقع كلمة الشرك التي لا تطيقها فطرته.. كذلك تحس أن للسورة إيقاعا موسيقيا خاصا. فحتى جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء وفيه عمق: رضيا. سريا. حفيا. نجيا.. فأما المواضع التي تقتضي الشد والعنف، فتجيء فيها الفاصلة مشددة دالا في الغالب. مدا. ضدا. إدا. هدا، أو زايا: عزا. أزا.
وتنوع الإيقاع المصوسيقي والفاصلة والقافية بتنوع الجو والموضوع يبدو جليا في هذه السورة. فهي تبدأ بقصة زكريا ويحيى فتسير الفاصلة والقافية هكذا:
ذكر رحمة ربك عبده زكريا. إذ نادى ربه نداء خفيا... الخ.
وتليها قصة مريم وعيسى فتسير الفاصلة والقافية على النظام نفسه:
واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا. فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا.. الخ
إلى أن ينتهي القصص، ويجيء التعقيب، لتقرير حقيقة عيسى ابن مريم، وللفصل في قضية بنوته. فيختلف نظام الفواصل والقوافي.. تطول الفاصلة، وتنتهي القافية بحرف الميم أو النون المستقر الساكن عند الوقف لا بالياء الممدودة الرخية. على النحو التالي:


الصفحة التالية
Icon