وقد تقدم في آل عمران لذلك مزيد بيان ﴿ولياً﴾ أي من صلبي بدلالة ﴿ذرية﴾ في السورة الأخرى ﴿يرثني﴾ في جميع ما أنا فيه من العلم والنبوة والعمل ﴿ويرث﴾ زيادة على ذلك ﴿من ءال يعقوب﴾ جدنا مما خصصتهم به من المنح، وفضلتهم به من النعم، من محاسن الأخلاق ومعالي الشيم، وخص اسم يعقوب اقتداء به نفسه إذ قال ليوسف عليهما الصلاة والسلام ﴿ويتم نعمته عليك وعلى ءال يعقوب﴾ [ يوسف : ٦ ] ولأن إسرائيل صار علماً على الأسباط كلهم، وكانت قد غلبت عليهم الأحداث ؛ وقد استشكل القاضي العضد في " الفوائد الغياثية " كونَ ﴿يرث﴾ على قراءة الرفع صفة بأنه يلزم عليه عدم إجابة دعائه عليه الصلاة والسلام لأن يحيى عليه السلام قتل في حياته، ولا يكون وارثاً إلا إذا تخلف بعده، وقد قال تعالى ﴿فاستجبنا له ووهبنا له يحيى﴾ [ الأنبياء : ٩٠ ] قال : فتجعل استئنافية، ولا يلزم حينئذ إلا خلف ظنه عليه السلام - هكذا نقل لي عنه، وأنا أجلّه عن ذلك، لأنه لا يلزم تخلف دعائه ولا يتجرأ على عليّ مقامه بإخلاف ظنه، لأن الإخبار عن قتله قبله إن كان عن النبي ـ ﷺ ـ وصح السند، كان تسمية العلم الذي أخذه عنه في حياته إرثاً مجازاً مرسلاً باعتبار ما يؤول إليه في الجملة، لا سيما مع جواز أن يكون يحيى عليه السلام علَّمه لمن عاش بعد أبيه عليهما الصلاة والسلام، وذلك لأن النبي ـ ﷺ ـ سمى العلم إرثاً على وجه الاستعارة التبعية بقوله عليه الصلاة والسلام " العلماء ورثة الأنبياء " ولا شك أن من ضرورة تعلم العلم حياة المأخوذ عنه، ولم يرد منع من تسميته إرثاً حال الأخذ، هذا إذا صح أن يحيى عليه السلام مات قبل زكريا عليه السلام، وحينئذ يؤول ﴿من وراءي﴾ بما غاب عنه، أي عجزت عن تتبع أفعال الموالي بنفسي في حال الكبر، وخفت سوء فعلهم إذا خرجوا من عندي وغابوا عني، فهب لي ولداً يكون متصفاً بصفاتي، فكان ما سأله، وإن لم يصح


الصفحة التالية