ومما يدل على نسخه أن فيه عملاً زائداً في الصلاة، وهو النزول والصعود، فنسخ كما نسخ الكلام والسلام.
وهذا أولى مما اعتذر به أصحابنا من أن النبي ﷺ كان معصوماً من الكِبْر ؛ لأن كثيراً من الأئمة يوجد لا كِبْر عندهم.
ومنهم من علله بأن ارتفاع المنبر كان يسيراً ؛ والله أعلم.
الثالثة قوله تعالى :﴿ فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ قال الكلبي وقتادة وابن منبه : أوحى إليهم أشار.
القتبي : أومأ.
مجاهد : كتب على الأرض.
عكرمة : كتب في كتاب.
والوحي في كلام العرب الكتابة ؛ ومنه قول ذي الرُّمة :
سوى الأربع الدُّهْم اللواتي كأنَّها...
بَقِيَّةُ وَحْيٍ في بُطونِ الصَّحَائِف
وقال عَنْترة :
كوحي صحائفٍ من عهد كسرى...
فأهداها لأعجم طِمْطِمِيِّ
و"بكرة وعشيا" ظرفان.
وزعم الفراء أن العشي يؤنث ويجوز تذكيره إذا أبهمتَ ؛ قال : وقد يكون العشيّ جمع عشية.
الرابعة : قد تقدّم الحكم في الإشارة في "آل عمران".
واختلف علماؤنا فيمن حلف ألا يكلم إنساناً فكتب إليه كتاباً، أو أرسل إليه رسولاً ؛ فقال مالك : إنه يحنث إلا أن ينوي مشافهته، ثم رجع فقال : لا ينوي في الكتاب ويحنث إلا أن يرتجع الكتاب قبل وصوله.
قال ابن القاسم : إذا قرأ كتابه حنث، وكذلك لو قرأ الحالف كتاب المحلوف عليه.
وقال أشهب : لا يحنث إذا قرأه الحالف ؛ وهذا بيّن ؛ لأنه لم يكلمه ولا ابتدأه بكلام، إلا أن يريد ألا يعلم معنى كلامه فإنه يحنث وعليه يخرج قول ابن القاسم.
فإن حلف ليكلمنه لم يبرّ إلا بمشافهته ؛ وقال ابن الماجشون : وإن حلف لئن علم كذا ليُعلِمنّه أو ليُخبِرنّه فكتب إليه أو أرسل إليه رسولاً بَرَّ، ولو علماه جميعاً لم يبر، حتى يُعلِمه لأن علمهما مختلف.
الخامسة : واتفق مالك والشافعي والكوفيون أن الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه ؛ قال الكوفيون : إلا أن يكون رجل أصمِت أياماً فكتب لم يجز من ذلك شيء.