وقال الآلوسى :
﴿ قَالَ رَبّ اجعل لِّى ءايَةً ﴾
أي علامة تدلني على تحقق المسؤول ووقوع الخبر، وكان هذا السؤال كما قال الزجاج لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه وهو أمر خفي لا يوقف عليه لا سيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهوراً معتاداً، وقيل : طلب ذلك ليزداد يقيناً وطمأنينة كما طلب إبراهيم عليه السلام كيفية إحياء الموتى لذلك والأول أولى، وبالجملة لم يطلبه لتوقف منه في صدق الوعد ولا لتوهم أن ذلك من عند غير الله تعالى، ورواية هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تصح لعصمة الأنبياء عليهم السلام عن مثل ذلك.
وذكر أن هذا السؤال ينبغي أن يكون بعدما مضى بعد البشارة برهة من الزمان لما روي أن يحيى كان أكبر من عيسى عليهما السلام بستة أشهر أو بثلاث سنين ولا ريب في أن دعاءه عليه السلام كان في صغر مريم لقوله تعالى :﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣٨ ] وهي إنما ولدت عيسى عليه السلام وهي بنت عشر سنين أو بنت ثلاث عشرة سنة، والجعل إبداعي واللام متعلقة به، والتقديم على ﴿ ءايَةً ﴾ الذي هو المفعول لما تقدم مراراً أو بمحذوف وقع حالاً من ﴿ ءايَةً ﴾ وقيل : بمعنى التصيير المستدعي لمفعولين أولهما ﴿ ءايَةً ﴾ وثانيهما الظرف وتقديمه لأنه لا مسوغ لكون ﴿ ءايَةً ﴾ مبتدأ عند انحلال الجملة إلى مبتدأ وخبر سوى تقديم الظرف فلا يتغير حالهما بعد ورود الناسخ.
﴿ قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ الناس ﴾ أن لا تقدر على تكليمهم بكلامهم المعروف في محاوراتهم.