وقال القرطبى :
﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ﴾
في الكلام حذف ؛ أي فاستجاب الله دعاءه فقال :﴿ يازكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى ﴾ فتضمنت هذه البشرى ثلاثة أشياء : أحدها : إجابة دعائه وهي كرامة.
الثاني : إعطاؤه الولد وهو قوة.
الثالث : أن يفرد بتسميته ؛ وقد تقدّم معنى تسميته بيحيى في "آل عمران".
وقال مقاتل : سماه يحيى لأنه حَيِي بين أب شيخ وأم عجوز ؛ وهذا فيه نظر ؛ لما تقدم من أن امرأته كانت عقيماً لا تلد.
والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً ﴾ أي لم نسمّ أحداً قبل يحيى بهذا الاسم ؛ قاله ابن عباس وقتادة وابن أسلم والسدي.
ومَنَّ عليه تعالى بأن لم يَكِل تسميته إلى الأبوين.
وقال مجاهد وغيره :﴿ سَمِيّاً ﴾ معناه مثلاً ونظيراً، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ [ مريم : ٦٥ ] معناه مثلاً ونظيراً وهذا كأنه من المساماة والسموّ ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضّل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضّل في خاص كالسؤدد والحصر حسب ما تقدّم بيانه "في آل عمران".
وقال ابن عباس أيضاً : معناه لم تلد العواقر مثله ولداً.
وقيل : إن الله تعالى اشترط القَبْل، لأنه أراد أن يخلق بعده أفضل منه وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه الآية دليل وشاهد على أن الأسامي السُّنُع جديرة بالأثرة، وإياها كانت العرب تنتحي في التسمية لكونها أنبه وأنزه عن النبز حتى قال قائل :
سُنُعُ الأسَامِي مُسْبِلِي أُزُر...
حُمْرٍ تَمَسُّ الأرضَ بالهُدبِ
وقال رؤبة للنسابة البكري وقد سأله عن نسبه : أنا ابن العَجَّاج ؛ فقال : قَصَّرتَ وعَرَّفتَ.
قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ﴾ ليس على معنى الإنكار لما أخبر الله تعالى به، بل على سبيل التعجب من قدرة الله تعالى أن يخرج ولداً من امرأة عاقر وشيخ كبير.


الصفحة التالية
Icon