وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ﴿ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ﴾ دليل على أن المعدوم ليس بشيء. ونظيره قوله تعالى :﴿ حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ﴾ [ النور : ٣٩ ]، وهذا هو الصواب. خلافاً للمعتزلة القائلين : إن المعدوم الممكن وجوده شيء، مستدلين لذلك بقوله تعالى :﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ] قالوا : قد سماه الله شيئاً قبل أن يقول له كن فيكون، وهو يدل على أنه شيء قبل وجوده. ولأجل هذا قال الزمخشري في تفسير هذه الآية : لأن المعدوم ليس بشيء. أو ليس شيئاً يعتد به. كقولهم : عجبت من لا شيء. وقول الشاعر :
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم... إذا رأى شيء ظنه رجلا
لأن مراده بقوله : غير شيء، اي إذا رأى شيئاً تافهاً لا يعتد به كأنه لا شيء لحقارته ظنه رجلاً، لأن غير شيء بالكلية لا يصح وقوع الرؤية عليه. والتحقيق هو ما دلت عليه هذه الآية وأمثالها في القرآن : من أن المعدوم ليس بشيء؟ والجواب عن استدلالهم بالآية : أن ذلك المعدوم لما تعلقت الإرادة بإيجاده، صار تحقق وقوعه كوقوعه بالفعل، كقوله ﴿ أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [ النحل : ١ ]، وقوله :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور ﴾ [ الكهف : ٩٩ ]، وقوله :﴿ وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكتاب وَجِيءَ بالنبيين ﴾ [ الزمر : ٦٩ ] الآية، وقوله ﴿ وَسِيقَ الذين كفروا ﴾ [ الزمر : ٧١ ]، وقوله ﴿ وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ ﴾ [ الزمر : ٧٣ ] الآية، وأمثال ذلك. كل هذه الأفعال الماضية الدالة على الوقوع بالفعل فيما مضى - أطلقت مراداً بها المستقبل، لأن تحقق وقوع ما ذكره صيره كالواقع بالفعل. وكذلك تسميته شيئاً قبل وجوده لتحقق وجوده بإرادة الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon