الصفة السابعة : قوله :﴿وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً﴾ والمراد وصفه بالتواضع ولين الجانب وذلك من صفات المؤمنين كقوله تعالى :﴿واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [ الحجر : ٨٨ ] وقال تعالى :﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] ولأن رأس العبادات معرفة الإنسان نفسه بالذل ومعرفة ربه بالعظمة والكمال ومن عرف نفسه بالذل وعرف ربه بالكمال كيف يليق به الترفع والتجبر، ولذلك فإن إبليس لما تجبر وتمرد صار مبعداً عن رحمة الله تعالى وعن الدين وقيل الجبار هو الذي لا يرى لأحد على نفسه حقاً وهو من العظم والذهاب بنفسه عن أن يلزمه قضاء حق أحد، وقال سفيان في قوله :﴿جَبَّاراً عَصِيّاً﴾ إنه الذي يقبل على الغضب والدليل عليه قوله تعالى :﴿أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى الأرض﴾ [ القصص : ١٩ ] وقيل : كل من عاقب على غضب نفسه من غير حق فهو جبار لقوله تعالى :﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ [ الشعراء : ١٣٠ ].
الصفة الثامنة : قوله :﴿عَصِيّاً﴾ وهو أبلغ من العاصي كما أن العليم أبلغ من العالم.
الصفة التاسعة : قوله :﴿وسلام عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً﴾ وفيه أقوال : أحدها : قال محمد بن جرير الطبري :﴿وسلام عَلَيْهِ﴾ أي أمان من الله يوم ولد من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم :﴿وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ أي وأمان عليه من عذاب القبر :﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً﴾ أي ومن عذاب القيامة.
وثانيها : قال سفيان بن عيينة أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوماً ما شاهدهم قط، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم فأكرم الله يحيى عليه الصلاة والسلام فخصه بالسلام عليه في هذه المواطن الثلاثة.