وثالثها : قال عبد الله بن نفطوية :﴿وسلام عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ أي أول ما يرى الدنيا ﴿وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ أي أول يوم يرى فيه أول أمر الآخرة ﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً﴾ أي أول يوم يرى فيه الجنة والنار وهو يوم القيامة.
وإنما قال :﴿حَياً﴾ تنبيهاً على كونه من الشهداء لقوله تعالى :﴿بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ] فروع.
الأول : هذا السلام يمكن أن يكون من الله تعالى وأن يكون من الملائكة وعلى التقديرين فدلالة شرفه وفضله لا تختلف لأن الملائكة لا يسلمون إلا عن أمر الله تعالى.
الثاني : ليحيى مزية في هذا السلام على ما لسائر الأنبياء عليهم السلام كقوله :﴿سلام على نُوحٍ فِى العالمين﴾ [ الصافات : ٧٩ ].
﴿سلام على إبراهيم﴾ [ الصافات : ١٠٩ ] لأنه قال و ﴿يَوْمَ وُلِدَ﴾ وليس ذلك لسائر الأنبياء عليهم السلام.
الثالث : روي أن عيسى عليه السلام قال ليحيى عليه السلام : أنت أفضل مني لأن الله تعالى سلم عليك وأنا سلمت على نفسي، وهذا ليس يقوى لأن سلام عيسى على نفسه يجري مجرى سلام الله على يحيى لأن عيسى معصوم لا يفعل إلا ما أمره الله به.
الرابع : السلام عليه يوم ولد لا بد وأن يكون تفضلاً من الله تعالى لأنه لم يتقدم منه ما يكون ذلك جزاء له، وأما السلام عليه يوم يموت ويوم يبعث في المحشر، فقد يجوز أن يكون ثواباً كالمدح والتعظيم، والله تعالى أعلم.
القول في فوائد هذه القصة.
الفائدة الأولى : تعليم آداب الدعاء وهي من جهات.
أحدها : قوله :﴿نِدَاء خَفِيّاً﴾ [ مريم : ٣ ] وهو يدل على أن أفضل الدعاء ما هذا حاله ويؤكد قوله تعالى :﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [ الأعراف : ٥٥ ] ولأن رفع الصوت مشعر بالقوة والجلادة وإخفاء الصوت مشعر بالضعف والانكسار وعمدة الدعاء الانكسار والتبري عن حول النفس وقوتها والاعتماد على فضل الله تعالى وإحسانه.


الصفحة التالية
Icon