وقال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ ﴾
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : الْمِحْرَابُ صَدْرُ الْمَجْلِسِ، وَمِنْهُ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ.
وَقِيلَ : إنَّ الْمِحْرَابَ الْغُرْفَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ إذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ﴾ وَقِيلَ : الْمِحْرَابُ الْمُصَلَّى.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَأَوْحَى إلَيْهِمْ ﴾ قِيلَ فِيهِ : إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِمْ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، فَقَامَتْ الْإِشَارَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَقَامَ الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ مَا يُفِيدُهُ الْقَوْلُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ مُعَوَّلٌ عَلَيْهَا قَائِمَةٌ فِيمَا يَلْزَمُهُ مَقَامَ الْقَوْلِ.
وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْفُقَهَاءُ أَنَّ إشَارَةَ الصَّحِيحِ لَا تَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْأَخْرَسِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَادَةِ وَالْمِرَانِ وَالضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهَا قَدْ عُلِمَ بِهَا مَا يُعْلَمُ بِالْقَوْلِ، وَلَيْسَ لِلصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ فَأَوْمَأَ وَأَشَارَ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ حَتَّى يَكُونُ فِي مَعْنَى الْأَخْرَسِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٣ صـ ﴾