سماه زكياً مع أنه لم يكن له شيء من الدنيا وأنت إذا نظرت في سوقك فمن لم يملك شيئاً فهو شقي عندك.
وإنما الزكي من يملك المال والله يقول كان زكياً، لأن سيرته الفقر وغناه الحكمة والكتاب وأنت فإنما تسمى بالزكي من كانت سيرته الجهل وطريقته المال.
﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
أنها إنما تعجبت بما بشرها جبريل عليه السلام لأنها عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا من رجل والعادات عند أهل المعرفة معتبرة في الأمور وإن جوزوا خلاف ذلك في القدرة فليس في قولها هذا دلالة على أنها لم تعلم أنه تعالى قادر على خلق الولد ابتداء وكيف وقد عرفت أنه تعالى خلق أبا البشر على هذا الحد ولأنها كانت منفردة بالعبادة ومن يكون كذلك لا بد من أن يعرف قدرة الله تعالى على ذلك.
المسألة الثانية :
لقائل أن يقول قولها :﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ﴾ يدخل تحته قولها :﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً﴾ فلماذا أعادتها ومما يؤكد هذا السؤال أن في سورة آل عمران قالت :﴿رَبّ أنى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ قَالَ كذلك الله يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ [ آل عمران : ٤٧ ] فلم تذكر البغاء والجواب من وجوه : أحدها : أنها جعلت المس عبارة عن النكاح الحلال لأنه كناية عنه لقوله :﴿مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ [ الأحزاب : ٤٩ ] والزنا ليس كذلك إنما يقال فجر بها أو ما أشبه ذلك ولا يليق به رعاية الكنايات.
وثانيها : أن إعادتها لتعظيم حالها كقوله :﴿حافظوا عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى﴾ [ البقرة : ٢٣٨ ] وقوله :﴿وَمَلئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال﴾ [ البقرة : ٩٨ ] فكذا ههنا إن من لم تعرف من النساء بزوج فأغلظ أحوالها إذا أتت بولد أن تكون زانية فأفرد ذكر البغاء بعد دخوله في الكلام الأول لأنه أعظم ما في بابه.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية