وثالثها : أنها كانت مشهورة في بني إسرائيل بالزهد لنذر أمها وتشاح الأنبياء في تربيتها وتكفل زكريا بها، ولأن الرزق كان يأتيها من عند الله تعالى، فلما كانت في نهاية الشهرة استحيت من هذه الواقعة فذهبت إلى مكان بعيد لا يعلم بها زكريا.
ورابعها : أنها خافت على ولدها لو ولدته فيما بين أظهرهم، واعلم أن هذه الوجوه محتملة، وليس في القرآن ما يدل على شيء منها.
المسألة الرابعة :
اختلفوا في مدة حملها على وجوه : الأول : قول ابن عباس رضي الله عنهما إنها كانت تسعة أشهر كما في سائر النساء بدليل أن الله تعالى ذكر مدائحها في هذا الموضع فلو كانت عادتها في مدة حملها بخلاف عادات النساء لكان ذلك أولى بالذكر.
الثاني : أنها كانت ثمانية أشهر، ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى ابن مريم عليه السلام.
الثالث : وهو قول عطاء وأبي العالية والضحاك سبعة أشهر.
الرابع : أنها كانت ستة أشهر.
الخامس : ثلاث ساعات حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة.
السادس : وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً كانت مدة الحمل ساعة واحدة ويمكن الاستدلال عليه من وجهين : الأول : قوله تعالى :﴿فَحَمَلَتْهُ فانتبذت بِهِ﴾ [ مريم : ٢٢ ] ﴿فَأَجَاءهَا المخاض﴾ [ مريم : ٢٣ ]،
﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا﴾ [ مريم : ٢٤ ] والفاء للتعقيب فدلت هذه الفاءات على أن كل واحد من هذه الأحوال حصل عقيب الآخر من غير فصل وذلك يوجب كون مدة الحمل ساعة واحدة لا يقال انتباذها مكاناً قصياً كيف يحصل في ساعة واحدة لأنا نقول : السدي فسره بأنها ذهبت إلى أقصى موضع في جانب محرابها.